على هذه الجملة أن ينهى الحكيم عن فعلين مختلفين على التخيير والبدل ، بأن يقبح كلّ واحد منهما بشرط عدم الآخر ، فلا يمكن القول بقبحهما جميعا على الإطلاق ، لأنّ الاشتراط الّذي ذكرناه يقتضي أنّهما متى وجدا لم يقبح واحد منهما ، ومتى وجد أحدهما قبح لا محالة.
فالنّهي عن المختلفين ـ إذا صحّ ما ذكرناه ـ على سبيل التخيير صحيح جائز وليس يجري المختلفان في هذا الحكم ، مجرى الضّدّين ، لأنّ كلّ واحد من الضّدّين متى وجد ، وجب عدم الآخر ، وما يجب (لا محالة) (١) يبعد كونه شرطا في قبحه ، وهذا في المختلفين أشبه بالصّواب ، وكذا المتماثلان. (٢)
واعلم أنّ بعضهم منع من تحريم أحد الأمرين لا بعينه ، وهو خطأ لإمكانه ، مثل : «لا تكلّم زيدا أو عمرا فقد حرّمت عليك كلام أحدهما لا بعينه ، ولست أحرّم عليك الجميع ، ولا واحدا بعينه».
وهذا أمر معقول لا شكّ فيه.
احتجّ : بأن «أو» في النّهي للجمع دون التخيير ، كقوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)(٣).
وليس بشيء ، لأنّ التّعميم هنا من خارج ، لا من الآية.
__________________
(١) ما بين القوسين يوجد في المصدر.
(٢) الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ١٧٨ ـ ١٧٩.
(٣) الإنسان : ٢٤. قال القرّافي في نفائس الأصول : ٢ / ٤١٩ : ونقل عن المعتزلة احتجاجهم بقوله تعالى (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) فالواجب ترك الجميع ، وأجاب بأنّ ذلك من الإجماع لا من اللّفظ.