الملائكة لا لوحي ، وإنّما بما يطلق عليه اسم حديث ، وتلك فضيلة عظيمة. (١)
وحصيلة الكلام : انّه لا وازع من أن يخصّ سبحانه بعض عباده بعلوم خاصّة يرجع نفعها إلى العامّة من دون أن يكونوا أنبياء ، أو معدودين من المرسلين ، والله سبحانه يصف مصاحب موسى بقوله : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) ولم يكن المصاحب نبيّا ، بل كان وليّا من أولياء الله سبحانه وتعالى بلغ من العلم والمعرفة مكانة ، دعت موسى ـ وهو نبيّ مبعوث بشريعة ـ إلى القول : (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً).(٢)
ويصف سبحانه وتعالى جليس سليمان ـ آصف بن برخيا ـ بقوله : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي). (٣)
وهذا الجليس لم يكن نبيّا ، ولكن كان عنده علم من الكتاب ، وهو لم يحصّله من الطرق العاديّة التي يتدرّج عليها الصبيان والشبان في المدارس والجامعات ، بل كان علما إلهيا أفيض عليه لصفاء قلبه وروحه ، ولأجل ذلك ينسب علمه إلى فضل ربّه ويقول : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي). (٤)
والإمام علي والأئمة من بعده ، الذين أنيطت بهم الهداية في حديث
__________________
(١) الرياض النضرة : ١ / ١٩٩.
(٢) الكهف : ٦٦.
(٣) النمل : ٤٠.
(٤) الانصاف في مسائل دام فيها الخلاف : ٢ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦.