واستدلّ أصحابنا بهذا الحديث ، وتأوّله أبو حنيفة بتأويلات ثلاثة :
الأوّل : يحتمل أنّه أراد بالإمساك ابتداء النكاح ، ويكون معنى قوله «أمسك أربعا» أنكح منهنّ أربعا ، ومعنى «فارق سائرهنّ» : لا تنكحهنّ.
الثاني : يحتمل أنّ النكاح كان واقعا في ابتداء الإسلام قبل حصر عدد النساء في أربع ، فكان ذلك النكاح واقعا على وجه الصحّة ، والباطل من أنكحة الكفّار ليس إلّا ما كان مخالفا لما ورد به الشرع حال وقوعها.
الثالث : يحتمل أنّه أمر الزوج باختيار أوائل النساء ، وهذه التأويلات وإن كانت منقدحة عقلا إلّا أنّ القرائن يدفعها ، فإنّ التأويل وان احتمل لكن قد تجمع قرائن تدلّ على فساده وآحاد تلك القرائن لا تدفعه ، لكن يخرج بمجموعها عن أن يكون منقدحا غالبا ، والظاهر هنا قد اعتضد بقرائن جعلته أقوى في النّفس من التأويل المحتمل ، وان استند إلى قياس.
أمّا التأويل الأوّل ، فبعيد بوجوه.
الأوّل : المتبادر إلى الفهم من لفظ الإمساك إنّما هو الاستدامة دون الابتداء والتجديد.
الثاني : أنّه قارن لفظ الإمساك بلفظ المفارقة ، وإنّما يفهم من المفارقة المجانبة بعد الاتّصال.
الثالث : أنّه فوّض الإمساك والمفارقة إلى اختياره ، وعندهم إنّهما غير واقعين باختياره ، لوقوع الفراق بنفس الإسلام ، وتوقّف النكاح على رضا المرأة.
الرابع : انّه لو أراد ابتداء النكاح لذكر شرائطه ، لأنّه وقت الحاجة إليه ، فلا