كما امتنع البداء عليه تعالى ، والفرق ظاهر ، فإنّ شرائط البداء (١) إذا اختلّ بعضها انتفى البداء ، دون النّسخ.
__________________
(١) شرائط البداء ما مرّ في كلامه أعني «بأن يتّحد الأمر والنّهي الخ» توضيحه : أنّ لتحقّق البداء شروطا أربعة:
١. أن يكون الفعل المأمور به واحدا.
٢. أن يكون المكلّف واحدا.
٣. أن يكون الوجه واحدا.
٤. أن يكون الوقت واحدا.
لاحظ الذريعة للسيّد المرتضى : ١ / ٤٢١.
الفرق بين البداء والنسخ أن الأوّل يستعمل في التكوين والآخر في التشريع. والتفريق بينهما والقول بجواز الثاني دون الأوّل نابع عن عدم التصوّر الصحيح للبداء الّذي هو من صميم عقيدة الشيعة الإماميّة.
إنّ البداء عبارة عن تغيير المصير بالأعمال الصالحة أو الطالحة ، وهذا يستمدّ صحّته من قوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد : ١١].
وقد تضافرت الروايات على أن الصدقة وبرّ الوالدين يحول الشقاء سعادة ويزيد في العمر ويقي مصارع السوء. [الدر المنثور : ٤ / ٦٦].
وأمّا استخدام هذا اللفظ في هذه المسألة فقد جاء تبعا للنبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقد روى البخاري في صحيحه أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال في شأن ثلاثة أشخاص ؛ أبرص وأقرع وأعمى : «بدا لله عزوجل أن يبتليهم» [صحيح البخاري : ٤ / ١٧٢]. ومن المعلوم أن هذا النوع من الاستعمال من قبيل المشاكلة والتحدث بلسان القوم حتّى يفقهوا ويفهموا الموضوع ، وإلّا فالله سبحانه أجلّ من أن يكون له الظهور بعد الخفاء.
وبذلك يعلم أن العجاجة الّتي أثارها الآمدي في إحكامه [٣ / ٧٦] ، في هذا المورد ، واستخدامه في بيان هذه المسألة العلميّة عبارات مشينة ، نابعة عن عدم معرفته بحقيقة البداء عند القائلين به ، ولو تدبّر لعلم أن البداء من المسائل الّتي اتّفق عليها المسلمون لبّا ، وإن تحاشى البعض عن استخدام لفظ البداء.