وفي الآية الثالثة بعد القسم بروحِ الإنسان ، وخالق الروح ، يشيرُ إلى مسألةٍ الهامِ الفجورِ والتقوى ويقول : إنَّ الله تبارك وتعالى ألْهَمَ نَفْسَ الإنسانِ الفجور والتقوى : (فَأَلْهَمَها فُجُوْرَهَا وَتَقْوَاهَا) ، و «الالهام» مِنْ مادة «لَهْمْ» على وزن (فَهْمْ) أي (ابتلاع) أو (شرب) الشيء (١).
ثم جاءت بمعنى القاء الأمر في قلب الإنسان من قبل الباري تعالى ، فكأنّما يلتهمُ القلبُ ذلك الأمرَ بتمامه ، وللالهام معنىً آخر أيضاً وهو «الوحي» ، حيث استُخدِمَ أيضاً بهذا المعنى أحياناً.
وتعني «الفجور» خرقَ حجابِ التقوى ، وارتكاب الذنوب ، وهي من مادة «فَجْر» التي تعني الانشقاق الواسع ، أو انكشاف ظلمة الليل بواسطة بياض الصبح.
و «التقوى» : من مادة «الوقاية» ، وتعني «الصيانة» ، والمقصود هنا الأساليب التي تمنع الإنسان من التلوث بالذنوب والقبائح.
من هنا يُفهمُ بوضوح من هذه الآيةِ أنّ الله تبارك وتعالى قد أوْدَعَ مسألةَ إدراكِ الحُسْنِ والقُبحِ العقليين وفَهْمِ الحَسَنِ والسيء بشكلٍ فطريٍّ داخل روح الإنسان كي يهديه الطريق نحو السعادة والتكامل.
وورد في حديثٍ للإمام الصادق عليهالسلام في تفسير هذه الآية أنّه قال : «بيَّنَ لها ما تأتي وما تترك» (٢) ، فالمقصود هو أنَّ الله بيَّنَ للإنسان ما يجب فِعْلُهُ وما يجب تَركُه أو بتعبير آخر علَّمَهُ «الواجبات ، والمحرمات».
وحول السبب في تقدُّم «الفجور» على «التقوى»؟ يقول بعض المفسِّرين : لأنَّ «التَّطهرَ من الذنوب» يُمثلُ الأرضيةَ ل «التحلي بالتقوى» ، باعتبار أنّ (التخلية) تكون قبل «التحلية» ، و «التطهير» قبل «اعادة البناء» دائماً (٣).
__________________
(١) لسان العرب مادة (لَهمْ) بناءً على ذلك فحينما تستعمل هذه المادة في باب الافعال تفيد «الابتلاع والشرب» وقال بعض إنّها تستخدم في امور الخير فقط ، وإنّ المراد من الهام الفجور في الآية هو صده عن الخير أيضاً.
(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٨٦ ، ج ٧.
(٣) تفسير روح المعاني ، ج ٣٠ ، ص ١٤٣.