بمعنى بيانُ الخير والشَّر ، وفريق آخر بمعنى بيانُ الحلال والحرام ، وثالث اعتبرها بمعنى الاسم الأعظم ، ورابع بمعنى تعليم اللغة (١).
لكن من الواضح أنّ ظاهر (البيان) هو التكلُّم ، وتبدو بقية الاحتمالات ضعيفة (٢).
وهنا كيف علَّمَ الله تعالى الإنسان التكلُّمَ؟ قال بعض المفسرين : إنَّ الله هو الذي «وَضَعَ اللغات» ثم علَّم الأنبياء عليهمالسلام عن طريق الوحي ، لكن يبدو أنّه ليس هناكَ دليلٌ واضحٌ لهذا الرأي ، إنّما المقصود هو الالهام الباطني من قبل الله تعالى للإنسان ، حيث استطاع من خلال ايجاد الصوت عن طريق الحنجرة ، ثم إيجاد الحروف عن طريق حركة اللسان والاعتماد على مخارج الحروف ، ثم تركيبها مع بعضها وإيجاد الكلمات ، ثم تسمية الأشياء والمفاهيم المختلفة ، بحيث يعكس مقاصدهُ الباطنية والمفاهيم المادية والمعنوية ، الجزئية والكلية ، المستقلة وغير المستقلة كافة عن هذا الطريق السهل الذي هو في متناول أيدي الجميع ، والحقيقة أنّه لو لم تكن هذه الهِبَةُ الالهيةُ الخلّاقة ولم يعرف الإنسان التكلُّمَ لَما وُجِدَتِ الحضارة ، ولَما ارتقى العلمُ إلى هذا الحد ، ولَما تمكَّنَ الإنسانُ من بناء قواعد حياتهِ على أساسِ التعاون الجماعي ، لأنَّ التعاونَ فرعٌ من علاقة التقارب مع الآخرين.
وورد في تفسير الميزان أنّ من أقوى الأدلة على أنَّ اهتداء الإنسان إلى «البيان» قد تم بالهامٍ الهيٍّ ، هو اختلافُ اللغات باختلاف الامم والطوائف في الخصائص الروحية والاخلاقية والنفسانية وبحسب اختلاف المناطق الطبيعية التي يعيشون فيها (٣).
وقد قدَّرَ بعض المحققين عدد اللغات الموجودة في العالم بـ «ثلاثة آلاف لغة» ، وقال بعضهم أنّ العدد يفوق ذلك (٤).
وهذا الاختلاف عجيبٌ حقاً ، وهو من براهين قدرةِ وعظمةِ الله تبارك وتعالى.
__________________
(١) تفسير القرطبي ، ج ٩ ، ص ٦٣٢٢ ، وتفسير روح المعاني ، ج ٢٧ ، ص ٨٦.
(٢) إذا فُسِّرت (البيان) في بعض الروايات على أنّها الاسم الأعظم فهو من باب ذكر المصداق الواضح.
(٣) تفسير الميزان ، ج ١٩ ، ص ١٠٧.
(٤) دائرة المعارف «فريد وجدي» ، ج ٨ ، ص ٣٦٤.