ثم يضيف قائلاً : «لو وضعنا أحد هذه اللبائن «الخفاش» في صندوقٍ مُقفَلٍ مُظلمٍ وابتعدنا به ثلاثمائة كيلو متر عن عُشِّهِ ثم اطلقناه ، نجده يعود مباشرةً وباقصرِ وقتٍ إليه بالرغم من كونه شبه أعمى ، وكون ذلك المكان مجهولاً بالنسبة إليه» (١).
٥ ـ ويوضح الكاتب المعروف «غرسي موريسن» في كتابه «سرُّ خلق الإنسان» وفي فصوله تحت عنوان «الشعور الحيواني» ، صوراً لنماذج من هذا القبيل منها :
إنّ الطيور تبني وتوجد أعشاشها بشكلٍ غريزي (على الرغم من أنّها لم تَرَ نموذجاً من قبل) ، فطيرُ السنونو الذي يبني عُشَّهُ في رواق البيوت يهاجر في فصل الشتاء إلى المناطق الدافئة ، وأمّا إذا لاحت طلائع الربيع فهو يعود إلى وكره.
والكثير من الطيور تهاجر نحو الجنوب والمناطق الحارة ، وأغلبها يقطع مئات الفراسخ براً وبحراً إلّاأنّها لا تضِّل الطريق إلى أوكارها أبداً.
والأسماك الحرّة تعيش سنواتٍ عديدةٍ في البحر ، ثم تعود إلى النهر الذي جاءت منه ، والاكثر عجباً أنّها تقفزُ من شاطىء النهر المرتفع وتذهب إلى النهر الذي وُلدت فيه ... فالأسماك الحرّةُ تَتَبعُ شعورها الباطني ، وتذهب إلى الساحل الذي كان محلاً لنشوئها ونموها ، فأيُّ شعورٍ يؤدّي إلى أن يعود هذا الحيوان إلى وطنه بهذا النحو الدقيق؟ «لا عِلم لأحد».
فلو أخرجنا فَرخَ طيرٍ من عشِّه وقمنا بتربيته في بيئةٍ اخرى ، فهو يبدأ ببناء عشٍ له عند بلوغه مرحلة الرشد والتكامل وبالاسلوب الذي يتبعهُ أبواه ، فهل أنَّ الأعمال المحدّدة والمختلفة التي تصدر عن جميع مخلوقات الأرض تحدث صدفةً ، أم أنَّ العقل والشعورَ العام يؤدّي إلى صدورها؟ (٢).
٦ ـ ويقول أحد العلماء الفرنسيين ويدعى «فارد» بصدد طائرٍ يسمى «اكسيكلوب» ما يأتي :
__________________
(١) الحواس الخفية للحيوانات ، ص ١٧.
(٢) سرُّ خلق الإنسان ، الفصل ٨ ، الشعور الحيواني.