والتفريط ، وهم المقصودون بتعبير «الميزان» ، النوع الثالث هم أصحاب «النفس الأمارة» الذين تعنيهم الآية : «انزلنا الحديد» أي هم المستحقون للعقاب والجزاء (١).
* * *
في الآية الرابعة إشارة إلى الأبعاد المختلفة لبعثة الأنبياء وبالخصوص السياسية والاجتماعية ونزول الأديان السماوية ، وفيها ذكر لبعض أوصاف رسول الله صلىاللهعليهوآله فقد جاءت لترغيب الناس في اتباعه ، منها : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْروُفِ ويَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُم الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ).
لا شك أنّ هذه أمور مصيرية وذات علاقة وثيقة بمسألة تكامل الإنسان وخيره وشرِّه ، بل مجرّد احتمالها يكفي لدفعه نحو التحقيق.
«الأِصر» : على وزن مصر ، يعني في الأصل الربط والاغلاق وحبس الشيء بقوة وعنوة ، ثم أُطلقت على الحمل الثقيل والأعمال الشاقة التي تعوق الإنسان عن النشاط ، ولهذا سُميت الجبال والمسامير التي تربط بها الأعمدة «آصار» ، ولهذا أيضاً سمي العهد والوعد والذنب بالاصر (٢).
يمكن الاستنباط من التعابير التي وردت في كلمات أرباب اللغة والمفسرين أن معنى كلمة «إِصر» الجسم الثقيل الذي يُربط بقدم السجين لكي لا يستطيع أن يتحرك ، وإنَّ ذكره إلى جانب الأغلال وهي الأطواق والسلاسل التي تقيد بها الأعناق يناسب هذا المعنى ، ثم أطلقت هذه المفردة على معنى آخر يتناسب وأصل الكلمة.
مع إنّ الكثير من المفسرين فسروا «الإِصر» و «الأغلال» في هذه الآية بمعنى التكاليف الشاقة أو الامتحانات العسيرة والمعقدة التي حلّت بالامم السابقة ، لكن الظاهر أنّ لهاتين المفردتين مفهوماً أوسع وأشمل يستوعب كل أنواع قيود الاسر والحمل الثقيل الذي يسببه
__________________
(١) التفسير الكبير ، ج ٢٩ ، ص ٢٤١.
(٢) تفسير مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٤٨٨ ؛ التفسير الكبير ، ج ١٥ ، ص ٢٥ ؛ تفسير روح المعانى ، ج ٩ ، ص ٧٢ ومفردات الراغب ، مادة (إصر) وكتاب العين ، ج ٧ ص ١٤٧.