ويشير في الآية الثالثة والأخيرة من بحثنا إلى ظاهرة «الرعد» فيقول : (ويُسَبِّحُ الرَعْدُ بِحَمْدِهِ).
ويُبَيِّنُ هذا التعبير أنّ هذه الظاهرة السماوية ليست مسألة عاديةً ، بل تُنبىءُ عن علم وقدرة الله تعالى ، لأنَ «التسبيح» يَعني التنزيه عن كل عيبٍ ونقص ، و «الحمد» تعني شكره مقابل الكمالات ، وعليه فانَّ صوت الرعد يتحدث عن الأوصاف الجمالية والجلالية لله تعالى!
ويمكن أن يكون هذا الكلام بلسان الحال ، كما يتحدثُ اختراعٌ مهمٌ عن علم ووعي المخترع ، أو لوحةٌ جميلةٌ جدّاً عن الذوق الحاد للرسام ، أو قطعة شعرية عن الذوق الأدبي للشاعر ، فتمدحه وتشكره ، فتكون لسان حالٍ ، كما قالَ بعض المفسرين بأنَّ لدى ذرات هذا العالم كافة عقلاً وشعوراً ، كل حسب حظه ، وتسبيحها وحمدها ينبع من العقل والشعور والإدراك.
يقول الفخر الرازي في تفسيره :
«فلا يبعد من الله تعالى أن يخلق الحياة والعلم والقدرة والنطق في أجزاء السحاب فيكون هذا الصوت المسموع من الأفعال الاختيارية لله سبحانه وتعالى.
وكما هو تسبيح الجبال في زمن داود عليهالسلام وتسبيح الحصى في زمان محمد صلىاللهعليهوآله» (١).
فليكن أيُّ الاحتمالين ، فليس هنالك اختلافٌ في بحثنا ، وعلى كل حال فإنّ هناك أسراراً خفيّةً في هذه الظاهرة السماوية حيث تكشفُ عن عظمة الخالقِ وتمثل آيةً من آياته.
والمعروف أنّ الماء والبخار ، والغيوم الناتجة منهما عناصر لا تنسجم مع النار ، ولكن بقدرة الخالق تنطلقُ منها نارٌ هائلة أكثر احراقاً من أنواع النيران الموجودة على الأرض كافة ، وكذلك البخار ، الجسم اللطيف جدّاً ، ولكن ينطلقُ منه صوتٌ لا ينطلقُ من سقوط أثقل وأقوى الأجسام.
__________________
(١) التفسير الكبير ، ج ١٩ ، ص ٢٥.