وفي الآية السادسة أيضاً حيث يأتي البحث عن سبع آياتٍ من آيات الله ، فهو يذكر الفلك كآية ثالثة حيث تجري في البحر بما ينفع الناس : (وَالْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ) ، ويؤكد في ختام هذه الآية أنّ في هذه الامور آياتٍ من الذات الإلهيّة المقدّسة وآياتٍ عن وحدانية الله لقومٍ يعقلون : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
* * *
وفي الآية السابعة يستند إلى ربوبيته تعالى فيقول : (رَبُّكُمُ الَّذِى يُزجى لَكُمُ الْفُلْكَ فى الْبَحْرِ) فلا تتبعوا الأوثان لأنّها ليست بربكم.
وهنا نواجه تعبيراً جديداً «يُزجي» وهو من مادة «إزجاء» التي تعني «تسيير الشيء بمداراةٍ وَرِقّة» بالنحو الذي ورد في (مصباح اللغة) ، ويُستفاد من «مقاييس اللغة» بأنّها تعني «التسيير الدائم والمستمر» ، وهاتان المسألتان في حركة السُفنِ على سطح المحيطات جديرتان بالاهتمام ، لا سيما في السفن الشراعية ، فالمعروف أنَّ الرياح تسوق السُفُنَ برفقٍ واستمرارٍ.
فلو كان للرياح هبوبٌ شديدٌ ، أوتكون متقطعةً فانّها تجعلُ السفن تواجه حركاتٍ واضطرابات قوية ، وقد تتوقف وتضيع في وسط البحر أيضاً ، إنَّ هذا التعبير يبينُ أسراراً جديدة عن هذه الآية الإلهيّة.
ولهذا يستفاد من مجموع الآيات السالفة أنّ لخلق البحار فوائد مختلفة حيث تعتبر كل منها آيةً من آياته تعالى ، لا سيما حركة السفن الدقيقة على سطح المحيطات.
وتُعرفُ النّعمةُ دائماً بعد فقدانها ، فلولا البحار لم يتكدَّس القسم الأعظم من السلع التجارية التي تُنقلُ عبر المياه فحسب ، بل تختفي كميات كبيرة من المواد الغذائية والحُلي أيضاً ، وأهم من ذلك ، تنعدم الغيوم ولا تهطل الأمطار ، ويجر الهواء الجاف والحار جميعَ الكائنات الحيّة إلى الفَناء.
* * *