للأصنام : (لَآإِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤفَكُونَ) (١).
ويستند في الآية الثانية على أربعةِ أمورٍ لإثبات توحيد الربوبية : «وحدانية الخالق» ، وكذلك التوحيد في العبادة ، وهي : خلق الإنسان ، ورزقُهُ ، ومَوتُهُ ، وإعادة احيائه ، وقد تمَّ تعريفها من قبل الله تعالى ، لأنَّها جميعاً ذات نظامٍ دقيقٍ حيث تُبرهنُ أنّها تصدرُ عن مبدأ العلم والقدرة ، فيقول : (اللهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيْتَكُمْ ثُمَّ يُحْيِيْكُمْ).
(هَلْ مِنْ شُركَائِكُمْ مَّنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِّنْ شَىءٍ) بناءً على ذلك يجب أنْ تُسلِّموا لنزاهتهِ وعلوِّهِ عمّا يُشركون به : (سُبحَانَهُ وَتَعَالىَ عَمَّا يُشرِكُونَ).
فحيثما نعلم أنَّ خلقَنا وموتنا وحياتنا بيده ، فلا معنى بأنْ نلهثَ وراء غيره ، ونخضع ونُسَلِّمَ لسواه.
والجدير بالذكر أنَّ الخلقَ يشملُ الرزقَ والموت والحياة ، لأنَّ كافة أنواع الرزق تعود إلى خلقِ الله تعالى ، وكذلك فإنّ الحياة جزءٌ من الخلق وتعقبها الأرزاقُ والموت ، وعليهِ فانَّ الاستناد إلى هذهِ الجوانب الثلاثة ليس لكونها شيئاً منفصلاً عن الخلق ، بل لأنّها في الحقيقة توضحُ مصاديقَ مهمّةً عن ذلك الموضوع العام.
وهذه النكتة جديرةٌ بالتأمْلِ أيضاً ، إذ بالرغم من أنَّ الإحياء بعد الموت لم يَكن مقبولاً لدى مشركي العرب ، إلّاأنَّ هذه الآية تُعتبر إشارة لطيفةً لهذا الاستدلال ، وهو أنَّ الخلقَ الأول ونعمة الحياة في بداية الأمر دليلٌ واضحٌ على إمكانية تكراره يوم القيامةِ والبعث ، بل لو تأمّلنا جيداً فانَّ مسألة الموت والحياة مستمرةٌ في هذا العالم ، فوجود الإنسان يعتبر ساحةً للموت والحياة في كلٍّ عامٍ وشهر بل في كلِّ يوم وساعة ، تموت الملايين من الخلايا ، وتحلُ مكانها ملايينُ اخرى ، فتتجسدُ مسألةُ المعاد باستمرار في هذه الدنيا ، إذن ما العَجَبُ في أنْ يَرجعَ الامواتُ إلى الحياة من جديد في الآخرة؟
__________________
(١) «تؤفكون» من مادة «إفْكْ» ، وتعني تغيير الشيء عن وضعهِ الحقيقي ، ولهذا يقال للكذب والاتهام والانحراف عن الحق نحو الباطل «إفْكْ» ، وكذلك يُطلقُ على الرياح التي تنحرف عن مسيرها المنظم (مؤفكة) (مفردات الراغب).