وفي الآية الثالثة حيث جاءت في ترتيب آيات «التوحيد» إذ تُحصي آياتِهِ المختلفة في السماء والأرض ، تمّ الاستناد أيضاً إلى ثلاث مسائل هي : بداية الخلق ، ورجوعه ، والرزق والاقوات التي تصل الإنسان من السماء والأرض فيقول : أيُّهما أفضل ... مَنْ تعبدون مِنْ دون الله أم مَنْ بدأ الخلقَ ثم يُعيدُه؟ (أَمَّنْ يبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ) (١) «وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ (السَّمَاءِ وَالأَرْضِ).
ويضيف في النهاية «أالَهٌ مَعَ الله».
(قُلْ : لَقَد جِئتُكم بدليلٍ عَلى ربوبيّتهِ فَهَاتُوا دَليلَكُم إِنْ كُنتُم صَادِقينَ).
(قُلْ هَاتُوا بُرهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ).
وبتعبير آخر : «إنَّ هذه البركات تصدرُ عن الذات الإلهيّة المقدّسة ، أمّا هذه الأصنام فهي لا تملكُ شيئاً كي تستحق العبادة».
والتعبير بـ «خَيْر» أي «أفضل» الذي حُذِفَ من هذه الآية والذي يتجلّى بقرينةِ الآيات السابقة ليس المقصود منه أنّ للأصنام خيراً وبركات قليلة قياساً إلى خيرِ الله وبركاتهِ بل إنَّ هذا التعبير يُستعملُ أيضاً في الحالات التي لا يكون هنالك خيرٌ في الفعل أبداً ، فمثلاً يقال لك امتنع عن تناول طعام معين كي تحافظ على صحتك أو لَيسَ الصحةُ أفضل من المرض؟ مِنَ المسلَّم به أنْ لا فضل في المرض بحيث تكون الصحةُ أفضلَ منه ، ونقرأ في القرآن الكريم أيضاً : (وَلَعَبْدٌ مُّؤمِنٌ خَيْرٌ مِّنْ مُّشْرِكٍ). (البقرة / ٢٢١)
ويقول في مكانٍ آخر : (قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ). (الفرقان / ١٥)
وخلاصة الأمر أنَّ لفظ «خير» بالرغم من أنّه من «افعل التفضيل» ويجب أنْ يستعملَ في مورد شيئين أحدهما حَسَنٌ والآخرُ أحسن منه إلّاأنّ الهدف في أغلب الحالات هو اغراقُ المخاطبِ في التفكر وجعلَهُ يشعرُ بأنَّ ما يختاره ليسَ منشأً لأي خيرٍ ومنفعة.
__________________
(١) هنالك جملةٌ محذوفةٌ حيث تتضح بقرينة الآيات الآنقة (الآية ٥٩ من نفس السورة) وتَقَدَّر كما يلي «أمَّنْ يبدءُالخلق ثم يُعيدهُ ... خيرٌ أمْ ما يشركون».