إنَّ الاستناد إلى قضية المعاد بالرغم من عدم إيمان المشركين بها إنّما هو لأجل كون الخلق أول دليل على المعاد.
* * *
وطُرحَ هذا المعنى في الآية الرابعة بنحوٍ آخر ، إذ يقول : (أَمَّنْ هَذَا الَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) (١).
تلميحاً إلى أنّه لو امتنعت السماء عن المطر بأمرِ الله ، ولم ينمُ نباتٌ ما ، وعمَّ الجدب والقحطُ كلَّ مكان ، فهل تستطيع هذه الأصنام أو أيُّ موجودٍ آخر أن يرزقكُم ويُطعِمكُم؟ ولو انقطعت عنكم الأرزاق المعنوية والروحية بأمرٍ من الله ، فهل مِنْ هادٍ يرشدكم؟ ينبغي القول أنَّ الجواب على كل هذه التساؤلات سلبيٌ ، فكيف اذن يتمادى الوثنيون في عملهم القبيح هذا؟ فهلْ منْ سبب هنا سوى العناد والتعصب؟
لهذا يقول في خاتمة الآية : (بَلْ لَّجُّو فِى عُتوٍّ وَنُفُوْرٍ) (٢).
* * *
وفي الآية الخامسة استند إلى أمرٍ آخر يتعلق بمسألةِ الأرزاق ، إذ يؤكد أنَّ بسط وقبضَ الرزق هو بمشيئة الله ، فيقول : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ الله يَبْسُطُ الِّرزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ)؟!
صحيحٌ أنَّ سعيَ ومثابرة الناس والمؤهلات والاستحقاقات تؤثرُ في تحصيل الرزق.
وصحيحٌ أنَّ العالَم ، عالم الأسباب ، وغالباً ما يستفيد المثابرون أكثر من الكسالى في تحصيل الأرزاق.
إلّا أننا نرى استثناءات كثيرة قبالة هذه القاعدة ، فقد نرى أناساً مُقعدين قد فُتحت أمامهم
__________________
(١) بالرغم من احتمال بعضهم بتقدير محذوف من الآية إلَّاأنَّ ظاهر الأمر يشير إلى أن لا محذوف هناك فيكون المعنى كما يلي «إنْ امسَكَ الله رزقهُ مَنْ هذا الذي يرزقكم» فتكون «أم» هنا بمعنى «بل» (فتأمل جيداً).
(٢) «لجوا» من مادة اللجاجة و «العَتو» تعني الطغيان و «النفور» تعني الابتعاد والهروب من الشيء.