وضعها الباريء ، تعالى في متناول الإنسان والدَّواب ، ودعا الإنسان إلى التفحصِ فيها ، كي يُعدَّهُ لمعرفة المُنعم ومعرفة الله من خلال تحريضه على الشعور بالشكر.
فيقول : (فَلْيَنْظُرِ الإِنْسانُ الىَ طَعَامِهِ).
ليرى كيف تظافرت مختلف العوامل من الشمس والأرض والهواء والمطركي تضع في خدمته هذه النَّعَم. فيجب أنْ ينظُر ويرى كيف : (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً* ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً* فَأنبَتنَا فِيهَا حَبّاً* وعِنَباً وقَضْباً (١) * وزَيْتُوْناً وَنَخْلاً* وَحَدَائِقَ غُلْباً* وَفَاكِهَةً وَأَبّاً) (٢).
مع أنَ «فاكهة» تشمل جميع أنواع الثمار ، و «حدائق» تتضمن جميع البساتين ، إلّاأنَّ الاستناد إلى «العنب» و «الزيتون» و «التمر» يأتي بسبب مزاياها المهمّة للغاية التي ثبتت الآن في علم النبات بالنسبة لكلِّ منها.
وبالرغم من أنَ «طعام» تعني عادةً الغذاء المادي ، لا سيما بخصوص الآية التي تعقبها ، فقد ذُكرت موارد عديدة للاطعمة الماديّة ، الفواكه والحبوب ، إلّاأنّه وكما ورد في بعض الروايات ، يمكن أن يكون للطعام معنى واسع وشامل حيث يشمل الغذاء المعنوي أيضاً ، ويجب أن ينظرَ الإنسان جيداً ممَّ يكتسبُ العلمَ الذي هو غذاؤه الروحي ، فلا ينبغي أن يكون مشتملاً على علوم سامة وهدامة.
والكلام الأخير حول هذه الآية الشريفة ، هو من الممكن أن تكون عبارة «فَلْيَنْظُرِ» هي النظر من أجل إدراك أسرار المبدأ والمعاد ، وكذلك النظر لتمييز الصنف الطيِّب والطاهر ، من الخبيث والملوث ، والمشروع من اللامشروع والمفيد من الضّار.
يستفادُ جيداً من مجموع ما قيلَ في شرح هذه الآيات أنَّ أنواع الرزق الإلهي آياتٌ
__________________
(١) «قضب» على وزن (جذب) وتعني القطع والقطف ، وقد فسَّرها المفسِّرون بأنّها الخُضرُ التي تُقطعُ عدّة مرات.
(٢) «حدائق» جمع «حديقة» وتعني البساتين المحصورة بين الجداران ، و «غُلب» جمع «اغلب» من مادة «غُلبة» وتعني الضخم الجُثّه ، و «أب» تعني النباتات الطبيعية والمراتع الطبيعية ، أو الثمار التي تُجفَّف وتحفظ. (والآية ٣١ من سورة عبس).