«الاوكسجين» ، ويتكرر هذا التبادل دائماً ، هنا نشاهد أنّ هذه المائدة الإلهيّة السرمدية مبسوطة باستمرار لتجلس كافة المخلوقات إليها للارتزاق منها دون أن يصيبها النقصان.
وكيفية إعداد الرزق للحيوانات عجيبةٌ أيضاً ، فالبعضُ يتغذى على النباتات والرطوبة الموجودة على الأرض ، وبعضٌ يحصل على غذائه من الماء «النباتات العائمة» وبعضٌ من الجو ، وبعضٌ عن طريق الالتحام بنباتاتٍ اخرى «كبعض الطفيليات» وتعيش حيوانات أعماق البحار في مكانٍ لا ينمو فيه نباتٌ أبداً ، لأنَّ اشعة الشمس تتلاشى تماماً في عمق ٦٠٠ ـ ٧٠٠ م ثم يسود ماءَ البحر بعدها ليلٌ حالكٌ وسرمديٌّ ، إلّاأنّ الباري تعالى يهيء ويعدُّ رزقَها على سطح البحر ويرسلُه إليها في أعماق البحر فالنباتات التي تنمو بكثرة على سطح البحر وسط الأمواج تصبحُ ثقيلة وتهبط إلى قاعه بعد نضوجها وتخصيص قسم منها للموجودات الحيّة على سطحه ، وكذلك تنزل بقايا الموجودات التي تعيش على سطح البحر على هيئة مائدةٍ سماوية إلى الموجودات في قاعه.
فقد تُصبحُ الطيورُ طُعمةً لأسماك البحر ، واسماك البحر طعمةً للطيور ، وقد يجعل النباتاتِ غذاءً للحيوانات ، أو الحيوانات غذاءً للنباتات التي تأكل اللحوم! وقد يصنع من فضلات ولعاب بعض الموجودات غذاءً لذيذاً لموجودٍ آخر (كما في بعض حيتان البحر حيث تخرج إلى ساحل البحر بعد تغذّيها على أسماك البحر المختلفة ، فتبقى الفضلات بين أسنانها ، فتفتح فمَها الذي يشبه الغار ، فتدخلُ مجموعةٌ من طيور الساحل إلى فمها وتقوم باخراج اللحوم المتبقية من بين اسنانها وتتخذها طعاماً لذيذاً لها ، فتقوم بدورِ المسواك في تنظيف أسنان هذا الحيوان ، الذي لا يسيء ردَّ الجميل ، فلا يُطبقُ فاهُ حتى خروج آخر طيرٍ من فمه ، وحينما ينتهي الأمر ويتخلص من المواد المزعجة ، وتمتليء بطون الطيور من الطعام حينئذ يُطبقُ فمَهُ ويتجه نحو أَعماقِ البحر (١).
وباختصار : كلّما دققنا في هذه المسألة أكثر ، سنحصل على نقاطٍ جديدة في مجال علمِ
__________________
(١) يضيف الفخر الرازي في تفسيره ضمن إشارته المختصرة لهذا الموضوع ، أنّه على رأس هذا الطائر شيءٌ يشبه الشوك ، فلو قَرر التمساحُ ابتلاع هذا الطائر فسيؤلمه ذلك «تفسير الكبير ، ج ٢٤ ، ص ١١).