وحكمةِ الخالق جلَّ وعلا ، والتدبير الذي صُرفَ في مجال الأرزاق ، بشكلٍ لا يبقي مجالاً لأي نوع من الصدفة.
يكفينا التأمُل في وضع الإنسان خلال المراحل الثلاث : الجنين ، الرضاعة ، والأكل ، كيف أنَّ الله تعالى وضعَ في متناولهِ ما يناسب حاله في كلِّ واحدةٍ من هذه المراحل الحساسة بدونِ نقصٍ ، فيتغذى طيلة مكوثه في رحم الام عن طريق جهاز الحبل السّري المعقّد والإرتباط المباشر بدم الام ، وبعده الولادة ، عندما لا توجدُ أسنانٌ لمضغ الطعام ، ومعدتُه وامعاؤهُ غير مستعدةٍ لاستقبال الطعام ، يهييء له ثدي امه المليء بالحليب ، غذاءً مناسباً ، غنياً بكافة المواد الغذائية ، معتدل الحرارة ، لا تغلب عليه الحلاوة أو الملوحة ، ولا يحتاج إلى مضغٍ ونشاطٍ لمعدتهِ كي تهضمه.
وفي المرحلة الثالثة ، يضع في متناوله أنواعاً من الاطعمة «المناسبة» ، فلو لم تكن أطعمة الإنسان وباقي الحيوانات «ملائمة» ويكون مجبوراً على تناولها كالأدوية المرّة ، فايٌّ مأزق سينشأ في حياته ، ألا يفنى معظمُ الناس بسبب عدم توفر الطعام السليم لهم؟
ومن جانبٍ آخر ، فقد أودعَ في الإنسان الشعورَ بالجوع والعطش ، كي ينجذب نحوهما بشكل آلي عندما يحسُ بالحاجةِ إلى هاتين المادتين الحيويتين ، فتأملوا ما يحصل لولا هذا الشعور؟!
وكما يقول الإمام الصادق عليهالسلام في الحديث المعروف عن المفضّل :
«فكّر يا مفضل في الأفعال التي جُعلت في الإنسان من الطعم والنوم والجماع وما دبّر فيها فانّه جُعل لكل واحد منها في الطباع نفسه محرّك يقتضيه ويستحث به فالجوع يقتضي الطعم الذي به حياة البدن وقوامه والكرى تقتضي النوم الذي فيه راحة البدن وإجمام قواه والشبق يقتضي الجماع الذي فيه دوام النسل وبقاؤه ، ولو كان الإنسان إنّما يصير إلى أكل الطعام لمعرفته بحاجة بدنه إليه ولم يجد من طباعه شيئاً يضطره إلى ذلك كان خليقاً أن يتوانى عنه أحياناً بالتثقل والكسل حتى ينحل بدنه فيهلك ... ، فانظر كيف جُعل لكل واحد من هذه الأفعال التي بها قوام الإنسان وصلاحه محرك من نفس الطبع يحركه لذلك ويحدوه عليه» (١).
__________________
(١) بحارالأنوار ، ج ٣ ، ص ٧٨ و ٧٩ ، توحيد المفضّل.