لقد قاموا بتربية الحيوانات من أجل غاياتٍ مهمّةٍ ، كالطيور التي تنقل الرسائل ، والحيوانات التي تُرسلُ إلى السوق للشراء ، وحيوانات الصيد ، وكلاب الشرطة التي تستعمل للكشف عن المخدّرات ، وملاحقة المجرمين وامثال ذلك ، فتُربّى هذه الحيوانات بنحوٍ قد تكون أفضل وأكثر ذكاءً من الإنسان في انجاز مهمتها ، حتى في هذا العصر الذي تنوعت فيه معدات كشف الجرائم لم يجدوا في انفسهم غنىً عن هذه الكلاب!.
خصوصاً أنَّ بعض الحيوانات كالنحل والنمل والأرضة ، وبعض الطيور كالطيور المهاجرة ، وبعض حيوانات البحر كالأسماك الحرّة التي تقطع آلاف الأميال في اعماق البحر باتجاه منشئها الأصلي أثناء وضع البيوض ، تعيش حياةً دقيقةً ومليئةً بالأسرار بحيث لا يمكن نسبتُها إلى الغريزة ، لأنَّ الغرائز تُعتبر عادةً مصدراً للأعمال ذات النَسق الواحد ، في حين أنَّ حياة هذه الحيوانات ليست كذلك ، وأعمالها دليلٌ على فهمها واحساسها النسبي.
يقول مؤلف تفسير «روح المعاني» :
أنا لا أرى مانعاً من القول بأنّ للحيوانات نفوساً ناطقة وهي متفاوتة الإدراك حسب تفاوتها في أفراد الإنسان وهي مع ذلك كيفما كانت لا تصل في إدراكها وتصرفها إلى غاية يصلها الإنسان ، والشواهد على هذا كثيرة وليس في مقابلتها دَليل يجب تأويلها لأجله (١).
والظاهر أنّ مقصوده من الشواهد هذه التلميحات أو التصريحات التي جاءت في القرآن الكريم في قصة «الهدهد وسليمان» وكذلك «النملة وسليمان» ، وكذلك الروايات التي نُقلت في تفسير آية البعث بأنَّ الحيوانات تُحشرُ وتُنشرُ وتحاسبُ يوم القيامةِ أيضاً (٢).
ولكن على أيّةِ حالٍ فسواء كانت أعمالها وتصرفاتها ناتجة عن عقلٍ وإرادةٍ أو عن غريزة فلا أثر لذلك على بحثنا ، فهي بأيَّ نحوٍ آيةٌ من آيات الله وبرهانٌ من براهين علمه وقدرته.
__________________
(١) تفسير روح المعاني ، ج ٧ ، ص ١٤٧.
(٢) تفسير مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٢٩٨.