ويقول في نهاية الآية : (وَاللهُ عَلِيْمٌ بِمَا يَفْعَلُوْنَ).
فهو يعلم كل أعمالهم ونواياهم وجميع حاجاتهم ، وهنا لماذا استند في هذه الآية إلى بسط أجنحة الطيور فقط «صافات»؟ لعلَّ السبب هو هذا الوضع العجيب والمدهش حيث تستطيع أن تتحرك في جو السماء بسرعة بدون تحريك اجنحتها كما أشرنا إلى ذلك سابقاً.
والاحتمال الوارد أيضاً هو أنّ الطيور تتحرك في السماء بشكلٍ جماعي بنحوٍ يبعث على الحيرة ، حركة هندسية منظّمة ، متناسقة تماماً ، وبلا قيادةٍ ظاهرةٍ.
* * *
وأشار في الآية الرابعة والأخيرة من البحث إلى مسألةٍ جديدةٍ اخرى من عجائب عالم الطيور فقال : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِى الأَرْضِ وَلَا طائِرٍ يَطِيْرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا امَمٌ أَمْثالُكُم).
والتعبير بـ «امَمْ» جمع «امهّ» يدللُ على أنَّ لها عقلاً واحساساً في عالمها ، والتعبير بـ «أمثالكم» يؤكد هذا المعنى أيضاً ، لأنّها تشابه الإنسان في مسألة الإدراك والفهم والشعور ، وهذا تأكيد مجدد للتفسير الذي ورد في الآية السابقة ، بأنَّ لها تسبيحاً ودعاءً عن وعيٍ في عالمها الخاص بها (١).
إنَّ القرائن المتوفرة لدى الطيور ، وباقي الحيوانات ، تؤيد بأنّها ذات ذكاءٍ وشعور.
لأنَّ : أولاً : الكثير من الحيوانات تعمل بمهارةٍ ودقةٍ في بناءِ بيوتها وجمع غذائها وتربية فراخها ، ورعايتها ، وسعيها لسد حاجات حياتها الاخرى بدقة ومهارة لا يُصدق معها ، صدور هذا العمل عن غير عقلٍ وشعور؟.
وهي تبدي ردود فعلٍ مناسبة ازاء الاحداث التي لا تمتلك تجربةً سابقةً حيالها ، فمثلاً نرى أنَّ الخروف الذي لم يَرَ ذئباً طيلة حياته له وعيٌ كاملٌ عن خطر هذا العدو ويدافع عن نفسهِ بكلِّ وسيلةٍ يستطيعها.
__________________
(١) لقد اعطى المفسرون احتمالات كثيرة في تفسير تشبيهها بالإنسان حيث يبدو أنَّ ما اوردناه أعلاه أكثر تناسباً بالرغم من عدم وجود تعارضٍ بين هذه الاحتمالات. يراجع تفسير المنار ، ج ٧ ، ص ٣٩٢ ؛ وتفسير القرطبي ، ج ٤ ، ص ٢٤١٧.