وفي الآية الثالثة نواجه صياغة جديدة بصدد الآيات التوحيدية لحياة الطيور إذ يخاطبُ النبي صلىاللهعليهوآله قائلاً : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِى السمَّواتِ وَالأَرْضِ) (والطَّيْرُ صافَّاتٍ).
الطيور التي تتحرك في الجو صفوفاً ، بجلالٍ وعظمةٍ وجمال ولا تتعبُ العين من مشاهدتها أبداً ، فهي ترسمُ أشكالاً هندسيةً مختلفة على صفحة السماء بحيث تذهلُ الإنسان ، إذ قد تطير المئات بل الآلاف من الطيور وتغيُّر طريقها باستمرار من خلالِ أمرٍ خفيٍّ من دون أن يحدث اصطدامٌ فيما بينها.
ويضيف في سياق الآية : (كُلٌ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وتَسْبِيْحَهُ) (١).
نعم .. فلكلٍّ منها صلاةٌ وابتهال ومناجات ودعاءٌ وحاجاتٍ في عالمها الخاص ، ولكلٍّ تسبيحه وتعظيمه وثناؤه ، ومن المعروف أنَّ ذرات وجود أيٍّ منها وبناء مختلف أعضائه وحركاته وسكناته تُخبرُ عن مُبديءٍ عظيمٍ يجمعُ كافة الكمالات ومُنَزَّهٍ عن جميع النواقص ، وهي دائمةُ التّسبيح بحمده بلسان حالها.
ويعتقد بعضهم أنَّ حمدَها وتسبيحها وصلاتها عن وعي ، ويعتبرون لكلِّ موجودٍ حتى الذي نَحسبُه جماداً وبلا روح ، عقلاً واحساساً ، بالرغم من جهلنا به ، كما نقرأ في مكانٍ آخر : (وَإِنْ مِّنْ شَىءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَّاتَفْقَهُوْنَ تَسْبِيْحَهُم). (الاسراء / ٤٤)
وكل تفسير من ذينك التفسيرين الصحيحين يصلح أن يكون شاهداً على ادعائنا بأنَّ جميع الموجودات في هذا العالم ، لا سيما الطيور التي تطير في جوِّ السماء ، آياتٌ وبراهينٌ على قدْرةِ وعلم خالق الكون.
__________________
ـ وهذا ما يناسب الفعل المضارع ويكسبه صفة الاستمرارية. وذُكر تفسير آخر في «الكشاف» وأيده بعض المفسرين : بأنّ منشأ هذا التفاوت ينبع من أنّ الطيران هو الحالة الأصلية الاولى للطيور ، والحالة الثانية هي عرضية. غير أن الغموض يكتنف هذا التفسير.
(١) هنا حيث يعود الضمير في «عَلِمَ» إلى «الله» أو إلى «كلّ» هنالك جدالٌ بين المفسِّرين ، ولكن ما يناسب وضع الآية هو أن يعود الضمير إلى «كل» فيعني : «كل واحد» أي أنَّ كلَّ واحدٍ من موجودات الأرض والسماء والطيور يعرف صلاته وتسبيحه جيداً.