تخرجُ مجموعةٌ من النحل مكلفةٌ بتشخيص مكان الأزهار صباحاً ، من الخلّيةِ ، وبعد اكتشاف المناطق المليئة بالأزهار ترجع ، وتعطي للباقين العنوان الكامل لذلك المكان بشكلٍ سريٍّ ومدهش ، وقد تشَخِّصُ الطريق بوضعها علاماتٍ عليه متكونة من موادٍ ذات رائحةٍ خاصةٍ ، وبنحوٍ لا تضل أيّة نحلة باتباعها.
وقال بعضهم الآخر أيضاً : إنّ المقصود هو طريق العودةِ إلى الخلية ، لأنَّ النحلَ قْدَ يُجبَر على قطع مسافاتٍ طويلةٍ ، ولا يبتلى بالتيه عند عودته ، فهو يتجه نحو الخليّة بدقةٍ ، بل وأنّه يعثر على خليته بيُسرٍ من بين عشرات الخلايا المشابهة.
وقال آخرون : إنَ «السُبُلَ» هنا لها معنىً مجازيٌّ فهي تشير إلى الاساليب التي يتبعها النحلُ لإعداد العسل من رحيق الأزهار ، فهي تمتص رحيقَ الأزهار بنحوٍ خاصٍ ترسله «حوصلتها» وهناك حيث تكون كمختبرٍ للمواد الكيميائية يتبدل إلى «عسلٍ» من خلال التغييرات والتطورات التي تجري عليه ، ثم يستخرجه الزنبور من حوصلته.
أجَلْ .. إنّه يعرف الاسلوب اللازم لاجراء هذا العمل جيداً ، من خلالِ أمرٍ إلهيٍّ فيسلكُ هذا الطريق بدقّة.
ونظراً إلى أنّ هذه التفسيرات الثلاثة لا تتعارض فيما بينها وكون ظاهر الآية عاماً ، فيمكن القول : بشمول جميع هذه المفاهيم ، إذ يقطع النحل هذه الطرق الملتوية والمنحنية بالاستفادة من الشعور الذي منحه الله له ، أو بالالهام الغريزي ، ويستخدم هذه الأساليب بكل مهارةٍ واقتدار.
وفي المرحلةِ الآتية أشار إلى صفات (العسل) وفوائده وبركاته قائلاً : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُوْنِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ).
وقد حَمَل بعضهم التعبير بـ «بُطُوْنِ» (جمع بطن) على معنى مجازيٍّ وقالوا : إنّها تعني الأفواه ، وقالوا إنَّ العَسَل الذي هو رحيق الأزهار مخزون في فم النَّحل ثم ينتقل إلى الخليّة (١).
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٦ ، ص ٣٧٢.