بينما يعتقد بعضهم أنَّ العسل هو فضلات النحل!
ويعتبره بعضهم الآخر من المسائل الخفيّة التي لم تُكتشف لحد الآن (١).
ولكن بحوث العلماء برهنت على عدم صواب أيٍّ من هذه الآراء ـ كما أشرنا ـ ، بل إنّ النحلَ يُرسلُ رحيق الأزهار إلى مكان خاصٍ في جسمه يسمى «الحوصلة» وبعد أن يجري عليه تغييرات وتطورات يقذفه خارجاً من فمه (٢).
والتعبير ب «بُطون» شاهدٌ على هذا المعنى ، واجلى منه التعبير ب «كُلي» ، لأنَّ العربَ لا يقولون لحفظ الشيء في الفم «أكل» أبداً ، وحمل هذه الجملة على المجاز تفسيرٌ مجازيٌ لا ضرورة له.
وأمّا المقصود من «ألوان مختلفة» هنا فهي ذات تفاسير متباينة أيضاً ، فقد اعتبرها بعضهم بمعنى هذا «اللون» الظاهري الذي يتفاوت فيه العسل فبعضه أبيضٌ شفاف ، وبعضٌ أصفر ، والآخر أحمر اللون ، وبعضُه يميلُ إلى السواد ، ويمكن أن يكون هذا التباين مرتبطاً باختلاف أعمار النحل ، أو مصادر الأزهار التي يتغذى عليها ، أو كليهما.
وقد احتملَ أيضاً أن يكون المقصود من هذا التفاوت (نوعية) العسل ، فبعضٌ غليظ ، وبعض خفيف ، أو أنّ عسلَ الأزهار المختلفة له آثار ومزايا مختلفة أيضاً ، كما يختلف العسل العادي كثيراً عن «الشهد» (العسل الخاص الذي يُصنع لملكة الخليّة) ، لأنَّ المشهور أنَّ لـ «الشهد» قيمةً من الناحية الغذائية بحيث يزيد كثيراً في عمر الملكة ولو تمَّكنَ الإنسان أن يتغذى عليها فإنّها تتركُ اثراً عميقاً في طول عمره.
وفي بعض البلدان هناك حدائق من ورودٍ متشابهة حيث تُنصب فيها الخلايا الخاصة بالنحل ، وبهذا تُستخلص أنواع مختلفة من العسل كلٌ منها مستخرجٌ من زهرٍ خاص ، ويتمكن الراغبون من شراء العسل من الورد الذي يرغبونه ، وبهذا نواجه ألواناً مختلفةً من
__________________
(١) وفي تفسير القرطبي ينقل عن ارسطو أنّه صَنَع خليَّةً من الزجاج كي يرى كيفية صناعة العسل غير أنَّ النَّحلَ كان يُعتِّمُ الزجاجة لكي لا ينكشف السر حينما يريد مزاولة عمله (المصدر السابق ليرى).
(٢) تربية النحل ، لمحمد مشيري ، ص ١١٣ ؛ وكتاب نظرة على الطبيعة وأسرارها ، ص ١٢٦.