مسائل عجيبة وحديثة عن حياة هذه الحشرة الصغيرة أذهلت الإنسان بشدة ، ولا يُصدَّق أبداً بأنْ يسودَ حياة النحل مثل هذا النظام والتدبير والتخطيط بلا أيِّ احساسٍ طبيعيٍّ.
يقول أحد العلماء المختصين بعلم الاحياء ويدعى «مترلينغ» الذي كانت له دراسات كثيرة على مدى سنوات طويلة حول حياة النحل ، والنظام العجيب الذي يحكم ممالكها يقول : «إنَّ الملكة في مدينة النحل ليست هي الزعيم كما نتصورها ، بل هي كسائر أفراد هذه المدينة تخضع لسلسلةٍ من القوانين والأنظمة العامة أيضاً».
ثم يضيف : «نحن لا نعرف مصدر هذه القوانين وبأيّة طريقةٍ توضعُ ، ونحن ننتظر اليوم الذي نتوصل فيه إلى معرفة واضع هذه المقررات ، إلّاأننا نطلقُ عليه حالياً اسم «روح الخليّة» ، ولا ندري أين تكمنُ «روح الخليّة» وفي أيٍّ من سكان الخلية حلَّت ، إلّاأننا نعرف أنَّ الملكةَ كالآخرين تطيعُ روح الخلية أيضاً»!.
«إنّ روحَ الخليّةِ لا تشبه غريزة الطيور ، ولا تعمل بآليةٍ وإرادةٍ عمياء ، فهي تشخصُ تكليفَ كلِّ واحدٍ من سكان هذه المدينة العملاقة حسب قابليته وتعطي لكلٍّ منها واجباً ، فقد تأمُر مجموعةً ببناء البيت ، وأحياناً تُصدر أمرَ الرحيل والهجرة»
«والخلاصة إننا لا نستطيع إدراك أنَّ قوانين مملكة النحل التي توضع من قبل روح الخليّة هل ستطرح في «مجلس شورى» ويُصادقُ عليها ويتخذُ القرار بتنفيذها؟ ، ومَنْ الذي يُصدرُ أمرَ الحركةِ في اليوم المحدَّد»؟! (١)
إلّا أنَّ القرآن الكريم أعطى جواباً لجميع هذه التساؤلات بتعبيرٍ جميلٍ ودقيقٍ جدّاً إذ يقول : (وَأَوْحى رَبُّكَ الَى النَّحْلِ)!
وهو نفس التعبير الذي ذكرَهُ بخصوص الأنبياء (عليهمالسلام) ، صحيحٌ أنَّ هذا الوحي يختلف عن ذلك الوحي كثيراً ، إلّاأنّ تناسقَ التعبير دليلٌ على أهميّة العلم الذي أودعه الله لدى النَّحل ، كي يدعو مفكّري العالم إلى دراسة أوضاعها.
فمن المسلَّم به أنَّ بناء خلية النحل يجري بالهامٍ الهيٍّ ، لأنَّها تبني تشكيلات سداسيّة
__________________
(١) كتاب النحل ، تأليف مترلينغ ، ص ٣٥ و ٣٦ مع الاختصار.