ويمكن أن تكون إشارة إلى أنواع حليب الانعام المختلفة ، التي لكلٍّ منها آثاره ومزاياه الخاصة به ، أو إشارة إلى مستخلصات الحليب التي نحصل عليها ، وبما أنَّ اصلها هو الحليب فقد اطلقَ عليها لفظ «مشارب» ، ونحن نعلمُ أنّ الحليب ومستخرجاته يُمثلُ جانباً مهماً من غذاء الناس (١).
ولنا بحثٌ مناسب حول «ذَلَّلناها» سيأتي في قسم التوضيحات إن شاء الله.
* * *
والآية التاسعة من البحث وقعت ضمن سلسلة الآيات التي تتعلق بمعرفة الله والتوحيد لأنَّه قال في الآيات التي سبقتها : (ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمواتِ والأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزيزُ الْعَليمُ) ، ثمَّ تَطرَّقَ إلى وصفِ الله القدير قائلاً : (والّذى نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدرٍ فأَنْشَرنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخرَجُونَ) ، ثم يضيفُ في آية البحث : (والّذى خَلَقَ الازواجَ كُلَّها).
ويبدو أنَّ المقصود من (أزواج) هنا هو أزواج الاناث والذكور من الحيوانات والاحياء ، لا سيما وانّه يضيف بعد ذلك : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الفُلكِ والأَنْعامِ مَا تَركَبُونَ) (أي الفلك في البحار والانعام في اليابسة).
وبهذا فانَّ ذكر «أنعام» بعد «الأزواج» جاء من بابِ ذكر الخاص بعد العام.
إلَّا أنّ بعض المفسِّرين يعتقِدون أنَ «الأزواج» هنا إشارة إلى «الاصناف المتفاوتة» للموجودات ، سواء كانت حيوانات أم نباتاتٍ ام جماداتٍ ، لأنَّ كلاً منها له جنسٌ يقابله ، ففي الحيوانات هنالك الذكر والانثى ، وفي غيرها النور والظلام ، السماء والأرض ، والشمس والقمر ، اليابس والرطب ، وحتى داخل أفكار الإنسان هنالك الخير والشر ، الكفر والإيمان ، التقوى والفجور ، وامثال ذلك ، والوجود الوحيد الذي لا اختلاف فيه هو ذاتهُ
__________________
(١) يعتبر بعض المفسِّرين أنَّ «مشارب» إشارة إلى الأواني التي تُصنعُ من جلد الحيوانات كانواع القِرَب والأواني الاخرى ، إلّاأنّ هذا التفسير يبدو بعيداً إذ ليس لهذا الأمر أهميّة بالغة بحيث يُستند إليه بعد ذكر المنافع.