ويقول في الفائدة الخامسة والأخيرة : (وَعَلَيْهَا وَعَلى الْفُلْكِ تُحْمَلُوْنَ).
ولتعبير «حَمْل» مفهوم غير «الركوب» ويبدو أنَّ المقصود منه هو المحامل والهوادج التي توضعُ على ظهور الأَنعام ويجلس فيها النساء والأطفال الذين لا طاقة لهم على الركوب ، كما يستفاد منها للمر ضى والعَجَزَةِ والضعفاء.
إنَّ ذكرَ «تُحمَلُون» بصيغة «الفعل المجهول» ، وجعلها إلى جانبِ الفُلك حيث يوضحُ تشابههما مع بعضهما (الفلك في البحر والانعام على الأرض) يعتبر من القرائن أيضاً على التفسير أعلاه ، وبهذا يتضح اختلاف هذه العبارات الثلاث : (لِتَركَبُوا ـ وَلِتَبْلُغُوا ـ وعليها وعلى الفُلك تُحمَلونَ) ، وطالما وقع بعضُ المفسِّرين في معضلات تفسيرها ، وقد فسَّروها بمعنىً واحدٍ!
ومع أنَّ بعضهم يعتقد أنَّ الانعام في هذه الآية تعني الابل فقط ، ولكن نظراً لسعة مفهوم «الانعام» وعدم وجودِ قيدٍ في الآية فلا دليل لحصرها ، لا سيما أنَّ تكرار «منها» (علماً إنَ «مِنْ» في مثل هذه الموارد تُفيد التبعيض) يبرهنُ على أنَّ بعض الانعام يفيد في الركوب ، وبعضها يُفيد في الأكل ، بينما لو كان المقصود هو الأبل فإنَّها تُفيدُ في جميع هذه الجوانب.
واللطيف أنَّه يقول في الآية الآتية باستنتاج عامٍ : (وَيُريكُم آياتِهِ فأيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُوْنَ).
إشارة إلى أنَّ كُلاً من هذه الامور يعتبر آيةً من آياتِ الله بالنسبة للمتفكرين والعقلاء ، آية بيِّنة ولا يمكنُ انكارها ، والمنكرون يستحقون كلَّ اشكال اللَّوم والتوبيخ.
وهكذا نرى أننا نواجه في كلِّ خطوةٍ نخطوها في هذا الجانب آية من آياتهِ في عالم الاحياء والحيوانات خصوصاً الأنعام ، ونواجه برهاناً من براهين علمه وقدرته وحكمته ولطفهِ ورحمتِهِ ، وكلٌّ يحكي بلا لسان ويُعطينا درساً في التوحيد ومعرفة الله ، ويُثيرُ فينا دافعَ الشكرِ الذي يدعونا إلى معرفته.
* * *