نستخدمها للركوب؟ ولولا التسخير الإلهي حقاً لم نستفد منها أبداً : (مَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِيْنَ) (١).
والنكتة الجديرة بالذكر أيضاً أنَّ ظهرَ الأَنعامِ خُلق بحيث يكون مناسباً ومُعَدَّاً لركوب الإنسان.
وممّا يلفت النظر أنّه يذكرُ الركوبَ عليها هدفاً أولاً ، وذكر نِعَمِ الخالقِ يعتبره الهدف الثاني ، وتعد معرفة الذات الإلهيّة المقدّسة وتسبيحه وتقديسه هي الهدف النهائي ، فذكر النِّعَمِ يَضَعُ الإنسان دائماً في طريق معرفتها ، ومن ثمّ كلُ مواهب الخلق دافعٌ ومقدمة لمعرفة الله سبحانه.
وذُكر هذا المعنى في الآية العاشرة والأخيرة بالإضافة إلى منافع اخرى ، وقد تمت الإشارة في هذه الآية إلى خمس فوائد اساسية للانعام ، واعتبرها من آيات الله.
فيقولُ في البداية :(اللهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا) (وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ).
ثم أشار إلى الفوائد المختلفة ، كاللبن والصوف والجلد والمواد الطبية وامثال ذلك ، فيقول إجمالاً : (وَلَكُمْ فِيْهَا مَنافِعُ) (٢).
ويقول في المرحلةِ الاخيرة : (وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُم).
إنَّ ذكرَ هذا المعنى على هيئةِ منفعةٍ مستقلة ، مع أنَّ مسألة الركوب قد ذُكرت سابقاً ، يُمكنُ أن يكون المقصود منه حمل ونقل الامتعةِ وضروريات الحياة (٣) ، أو لاغراض التنزُّهِ والسياحةِ والمسابقات أو كسب القوة في ساحة الجهاد ، أو الصراع مع بعض الحيوانات الوحشية ، أو عبور الأنهار عن طريق سباحة الحيوانات ، لأَنَّها جميعاً تندرجُ في لفظ «حاجة» الشامل ، وهذه الضروريات لا شأنَ لها مع مسألة الركوب في الأسفار.
__________________
(١) إنَّ الضمير المفرد في «ظهوره» و «عليه» و «له» يعود إلى «الانعام» لأنّ «الانعام» ـ وكما قلنا سابقاً ـ ذات معنىً جمعي ، إلّاأنّها تلفظ مفردة ، وظن بعضهم أنَّ هذه الضمائر تعود إلى «ما» في «ما تركبون» ، وفي هذه الحالة تشمل «الانعام» و «السفن» علماً أنّ «مقرنين» من مادة «إقران» وتعنى الاقتدار على الشيء ، وفسَّرها بعضهم بمعنى القبض والحفظ.
(٢) ذكرت منافع بصيغة النكرة كي تُبرهنَ على أهميّتها.
(٣) كما تمّت الإشارة إلى ذلك في الآية ٦ من سورة النحل.