ويقول في الآية الرابعة ضمن إشارته إلى جانب من نِعَمِ اللهِ على الإنسان لتحريك الاحساس بالشكر الذي هو مقدمة لـ «معرفة الله» : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَّهُ عَيْنَيْنِ).
العينان اللتان يتمكن من خلالهما أنْ يرى عالم الوجود ، وأن يشاهد عجائب الخلق ، وأن ينظر إلى الشمس والقمر والنجوم وأنواع النباتات وأنواع الموجودات الحيّة والحيوانات ، وأنْ يتفرجَ على عجائب صُنعِ الله ، وأن يُميزَ الخير من الشر ، ويُشَخصَ الصديقَ من العدو ، وأن ينقذَ نفسَهُ من مخالب الحوادث.
ثم يضيف «(وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ).
اللسان الذي يُمثلُ وسيلةَ اتصالهِ بالآخرين ، اللسان الذي يعتبرُ عاملاً في نقل العلوم والمعارف من جيل إلى آخر ومن قومٍ إلى آخرين ، اللسان الذي يردد ما يحتاجه ، وبه يدعو ويتوسل إلى المعبود جلَّ وعلا ، وهو الذي ينطق عن جميع ذرات وجوده.
وكذلك الشفاه التي تلعبُ دوراً مهماً في النطق ، وتتحمَّلُ مسؤولية تلفظ كثير من مخارج الحروف (١) بالاضافة إلى مساعدتها في شرب الماء واكل الطعام وهضمه والحفاظ على سوائل الفم ، بنحوٍ لو جُدعَ جانبٌ من الشفة فلن تصبح هذه الامور صعبةً بالنسبة للإنسان فحسب ، بل وسيكون منظرهُ وصورته باعثاً على الحسرة.
واللطيف أنّ القرآن يتحدث بعد هاتين الآيتين عن هداية الإنسان إلى الخير و «الشر» ، قائلاً : (وَهَدَيْناهُ النَّجدَيْنِ).
إنَّ هذا التعبير البليغ يشيرُ إلى علاقة العين واللسان والشفاه بمسألة الهداية ومعرفة الخير والشر ، لأنّها تُعتبر آلاتٍ لهذا الهدف العظيم.
* * *
وفي الآية الخامسة يُلفتُ الانتباه إلى الحالة التي تحصل لدى الإنسان بسبب فقدانهِ
__________________
(١) وهذه أربعة حروف بالعربية (ب ـ ف ـ م ـ و) وهي (حروف شفهية) بكثرة وفقدان الشفة يؤدّي إلى أن يفقدالمرء قدرة التكلم إلى حدٍ ما.