للاذنِ والعين والعقل ، فيقول : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيْكُمْ بِهِ) (١).
ثم يضيف في نهاية الآية : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) (٢).
وفي الحقيقةِ أنَّ القرآن يريد أن يقول : إنَّ آلات المعرفة المهمّة تلك ليست ملكاً لكم لأنّها لو كانت كذلك لما سُلبت منكم فليس بالقليل اولئك الذين فقدوا نعمة السمع والبصر والعقل نتيجة لتأثير عوامل مختلفة ، اذن فهي ملك لخالقٍ آخر ، هذا من جهة.
ومن جهة اخرى ، بما أنَّ الأشياء تعرف باضدادها فانَّ القرآن يريد أن يلفتَ نظرَ الإنسان إلى عظمة الخالق وواهب هذه النعم ، من خلال تذكيره بالوضع المؤلم الذي يطرأ للإنسان بسبب فقدان هذه النِّعم التي لا مثيل لها ، ويرشده عن هذا الطريق ويُحفزهُ إلى الخضوع أمام عظمته تعالى.
ويمكن أن يكون التعبير ب «أخذ» الاذن والعين بمعنى أخذ هذه الاعضاء ، أو أخذ قوة السمع والبصر أو كليهما.
* * *
وفي الآية الأخيرة من البحث التي تعتبر من آيات التوحيد ومعرفة الله يُسلطُ الانظارَ على آياته قاطبةً في عالم الخلق بأسرِه ، فيقول : (سَنُرِيْهِمْ آياتِنَا فِى الآفاقِ وَفِى أَنْفُسِهِمْ حَتّىَ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ).
«آفاق» : جمع «افُق» وتعني الأطراف ، وعليه فانَ «آفاق الأرض» تعني أطراف
__________________
(١) لقد فسَّر المفسِّرون جملة «أرأيتُم» وكذلك «أرأيتُكُم» بمعنى اخبروني أو «هل علمتُم» ولكن باعتقاد بعض المحققين فانَّ هذه الجُمل تتسامح مع المعنى الأصلي فمثلاً جملة (أرأيتم) بمعنى (هل شاهدتم) ، ولكن حيث تكون المشاهدة في مثل هذه الموارد للعلم والأخبار فقد فسِّرت بلازم المعنى ، وعلى ايةِ حالٍ فإنّ الغاية من ذكر هذه الجُمل هو التذكير والتأكيد على دقةِ المخاطب ، ولو أردنا أن نفسِّرها بلازم المعنى فيمكننا القول بانَّ هذا هو مفهومها.
(٢) «نصِّرف» من مادة «تصريف» وتعني التغيير ، وتعني هنا ذكرُ حقيقة ما بلباس وبيان مختلف ، و «يصدفون» من مادة «صَدَف» (على وزن هدف) وتعني هنا الإعراض.