حيث تقول : (هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّنْ نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنهَا زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها).
والمقصود من «نفسٍ واحدةٍ» باعتقاد اغلب المفسِّرين هو آدم عليهالسلام (١) ، ومن المسلَّم به أنَّ التعابير التي جاءت في ذيل الآية وتُشَمُّ منها رائحة الشرك ، لا تعني الشرك في الاعتقاد ولا في العبادة ، بل يُمكنُ أن يَكونَ المقصود منها هو ميل آدم إلى ابنائهِ ، الميلُ الذي قد يجذبُ الإنسان نحوه في لحظات خاطفة ويجعله يغفل عن غيره.
ويُحتملُ أن يكون المراد من «نفس واحدة» هو «الوحدة النوعية» ، أي (خلقكم من نوعٍ واحدٍ).
وليسَ المقصود من عبارة : «جَعَلَ منها زَوْجها» أنَّ زوجة آدم «حواء» قد خُلقَتْ من جزءٍ من جسمه ، كما نُقل في الرواية الموضوعة أنَّ حواء خُلقت من ضلع آدم الأيسر ، ولهذا يقل عدد الاضلع في الجانب الايسر عنها في الجانب الأيمن بضلعٍ واحدٍ ، لدى الرجال ، ولا شك أنَّ عددَ الأضلع في كلا جانبي الرجل لا يتفاوت أبداً ، ومن السهولة تجربة ذلك ، بل إنّ المقصود هو :
إنَّه خلقَ زوجة آدم من جنسه ، كي تكون بينهما الجاذبة الجنسية ، وليس من جنسٍ بعيدٍ وغريبٍ ، كما نقرأ بخصوص النبي صلىاللهعليهوآله في القرآن الكريم : (هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الأُمِيِّيْنَ رَسْوُلاً مِنْهُمْ).
* * *
ويشير في الآية الثالثة إلى خلق الإنسان من نطفةٍ مختلطة ، فيقول : (إنّا خَلَقْنا الانْسَانَ مِنْ نُّطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَليْهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيْعاً بَصِيْراً).
وتم التلميح في هذه الآية إلى ثلاث مزايا للإنسان : الاولى امتزاج النطفة ، ويستفاد هذا الامتزاج من لفظ «أمشاج» جمع «مشيج» أو «مَشَج» (على وزن مَدَدْ) وتعني الشيء
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٥٠٨ ؛ والتفسير الكبير ، ج ١٥ ، ص ٨٥ ؛ وتفسير روح البيان ، ج ٣ ، ص ٢٠٩٤ ؛ تفسير الميزان ، ج ٨ ، ص ٣٩١ ، ونقل هذا المعنى في تفسير القرطبي (ج ٤ ، ص ٢٧٧٣) عن جمهور المفسرين.