وليس من العجيب أن لا تطلعوا على أسرار الروح بهذا «العلم القليل» و «المعرفة اليسيرة» (خصوصاً في ذلك الزمان وتلك البيئة).
روي عن أبن عباس في بعض الروايات أنّ قريش أرسلت بعض رؤوسها إلى علماء اليهود في المدينة وقالت لهم : إسألوهم عن محمد لأنّهم من أهل الكتاب ولهم من العلم ماليس لنا ، فجاؤوا المدينة وسألوا علماء اليهود ، فقال اليهود في جوابهم : إسألوه عن ثلاثة أمور : قصة أصحاب الكهف ، وَذي القرنين ، وقضية الروح ، فإنّ أجاب عن جميعها أو سكت عن جميعها فليس بنبي ، أمّا إن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي.
فعادت رؤوس قريش إلى مكة وعرضت الأسئلة على الرسول صلىاللهعليهوآله ، فقدّم لهم الرسول شرحاً وافياً حول ذي القرنين وأصحاب الكهف ، ولكنه فيما يخص السؤال عن الروح إكتفى بذلك الجواب المغلق بأمر من الله (١) ، ومع أنّ هناك تفاسير مختلفة لمعنى الروح في الآية أعلاه في روايات المعصومين عليهمالسلام وكلمات المفسرين ، ولكن أغلب هذه التفاسير لا تتنافى مع بعضها ويمكن الجمع بينها ، والروح الإنسانية من جملة المفاهيم الداخلية في مدلول الآية المعنية (٢).
* * *
في الآية الثالثة كلام عن حوار الله مع الملائكة حول خلق البشر ، حيث يقول عزوجل مخاطباً الملائكة : (إِنَّى خالِقٌ بَشَراً مِّنْ صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيْهِ مِنْ رُّوْحِى فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِيْنَ).
ثمّة نقطتان تثيران الاهتمام في هذه الآية ، الأولى إضافة روح الإنسان إلى الله إذ يقول :
__________________
(١) تفسير روح المعاني ، ج ١٥ ، ص ٢٤١ «قالت قريش لليهود أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل فقالوا : سلوه عن الروح فسألوه فنزلت : (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلّاقليلاً).
(٢) وردت في تفسير الميزان أقوال متعددة في هذا المجال ، منها أنّ المراد بالروح هي الروح الواردة في الآية الشريفة : (يوم يقوم الروح والملائكة صفاً) ومنها أنّ المراد بها جبرائيل وقال بعض المفسرين : إنّها تعني القرآن ، وآخر التفاسير هو أنّ المراد بها الروح الإنسانية ، ثم يضيف : إنّ المتبادر من إطلاق الروح هو هذا.