وَفِى أَنفُسِكُم أفَلا تُبصِرُونَ). (الذاريات / ٢١)
ولا نذهب بعيداً فإنَّ الذاكرة الإنسانية التي تمثل أرشيفاً للمعلومات المختلفة على درجة من الغرابة والعجب بحيث لو أننا أردنا توظيف مئات الأشخاص لحفظ وظرافة وترتيب معلومات أحد الأشخاص لاستحال عليهم القيام بنشاط الذاكرة بهذه السرعة والدقة.
ولو سلبت منّا الذاكرة لساعة واحدة لما أمكنتنا الحياة ، فلا نضلُّ الطريق إلى منازلنا فحسب ، بل سيصيبنا النسيان حتى في أن نضع اللقمة في فمنا عند تناول الطعام ، سيكون كل شيء بالنسبة لنا مجهولاً ووحشياً وغريباً ومُحيراً.
فقد أحد الشباب جزءً من ذاكرته نتيجة حادث سير أصابه بضربة دماغية ، وعندما حملوه إلى بيته أنكر بيته! وقال : إنّ هذه هي المرة الأولى التي أضع فيها قدمي هنا! بل حتى أمه كان يتصورها امرأة غريبة ، وبدت اللوحة الفنية التي رسمها بيديه مجهولة تماماً في عينيه ، وكان يقول : إنّها اول مرّة أراها.
إنّنا نحمل في أرشيف ذاكراتنا صوراً لآلاف الموجودات وآلاف آلاف البشر وآلاف آلاف المواد المختلفة وآلاف آلاف الخواطر واللقطات وآلاف آلاف المعلومات المختلفة الاخرى ، والعجيب أنّ استحضار احدى الخواطر لا يحتاج أكثر من واحد بالألف من الثانية من أجل أن يستطيع الإنسان الانتباه إلى خاطرة معينة من بين معلوماته المبوبة التي مضت عليها لحظة أو سنة أو خمسون سنة ، خاصة وأنّ العلماء يشيرون إلى إحدى الأعمال المحيرة للذاكرة والتي يسمونها «معجزة الذاكرة» وهي بالترتيب الآتي :
كثيراً ما ينسى الإنسان إسم شخص أو موضوع ثم يجهد ويحاول أن يتذكره ويقلّب رفوف أرشيف ذاكرته واحداً بعد الآخر ولكن دون جدوى.
حسناً ، إن كان الإنسان يعلم ذلك الاسم أو الموضوع ، فلماذا يبحث عنه؟ وإن لم يكن يعلمه فكيف يبحث عن شيء لا يعلمه؟ أفيمكن أن يبحث الإنسان عن ضالة لا يعرف ما هي أو من هي؟!