ومع هذا فيصدق على ذاكرة الإنسان أن تبحث عند النسيان عن ضالة لا تعلم ما هي؟ وفجأة تصل إلى الرف الذي يحمل ضالتها فتعثر عليها (١).
وهنا توجد نقطة دقيقة يكمن فيها الحل المذهل للقضية ، وهي : في مثل هذه المواضع لا يبحث الإنسان عن ذات ذلك الاسم أو الموضوع الذي لا يعرف ما هو بل من أجل العثور عليه تراه يبحث عن مجموعة الحوادث التي يعلم بشكل إجمالي أنّه اختزنها في ذهنه بمعية الاسم المطلوب (لأنّ الحوادث المختلفة تُخْتَزَنُ على شكل مجموعات مجموعات) ، فمثلاً هو يعلم أنّه تعرف لأول مرّة على الشخص المعني الذي نسي أسمه في اليوم الفلاني والمحل الفلاني ، لذلك يطلب من أرشيف الذاكرة وبشكل فوري إضبارة ذلك اليوم وذلك المحل ويتصفحها بسرعة البرق ليعثر في طياتها على اسم ذلك الشخص.
ونختم هذا الكلام بحديث عن الإمام الصادق عليهالسلام وَرَدَ في توحيد المفضل ، يقول : «تأمل يا مفضّل هذه القوى التي في النفس وموقعها من الإنسان ، أعني الفكر والوهم والعقل والحفظ وغير ذلك ، أفرأيت لو نقص الإنسان من هذه الخلال الحفظَ وحده كيف كانت تكون حاله؟ وكم من خلل كان يدخل عليه في اموره ومعاشه وتجارته إذا لم يحفظ ماله وما عليه وما أخذه وما أعطى ، وما رأى وما سمع ، وما قال وما قيل له ولم يذكر من أحسن إليه ممن أساء به ، وما نفعه ممّا ضره ، ثم كان لا يهتدي لطريق لو سلكه ما لا يُحصى ، ولا يحفظ علماً ولو درسه عمره ، ولا يعتقد ديناً ، ولا ينتفع بتجربة ولا يستطيع أن يعتبر شيئاً على ما مضى ، بل كان حقيقاً أن ينسلخ من الإنسانية أصلاً».
ثم يضيف الإمام : «وأعظم من النعمة على الإنسان في الحفظ النعمة في النسيان ، فإنّه لولا النسيان لما سلا أحد عن مصيبة ولا انقضت له حسرة ، ولا مات له حقد ، ولا استمتع بشيء من متاع الدنيا مع تذكر الآفات ..» (٢).
* * *
__________________
(١) الاقتباس من كتاب «حافظة» من سلسلة «چه مى دانم» (بالفارسية).
(٢) بحار الأنوار ، ج ٣ ، ص ٨٠ و ٨١ (بشيء من التلخيص).