وللحصول على معلومات كافية حول اعجاز القرآن فلابد من الالتفات إلى النقاط التالية :
١ ـ تقدمت الإشارة إلى أنّ عرب الجاهلية كانوا على جانب كبير من الفصاحة والبلاغة بحيث إنّ القصائد المتبقية من ذلك العصر ومن جملتها (المعلقات السبع) مازالت تعرف بالقصائد المنتخبة لدى العرب.
إلّا أننا نعلم بانّهم جمعوا قصائدهم كلها بعد نزول القرآن وانحنوا إجلالاً أمام الفصاحة القرآنية المنقطعة النظير ، وبالرغم من امتلاكهم كل الدوافع والحوافز الذاتية لمعارضة القرآن ومنازلته إلّاأنّهم أخفقوا في ابداء شيء ما.
ولقد اطلعنا على نماذج حية واضحة من تأثير القرآن في هذا المجال في البحث السابق لجاذبية القرآن.
٢ ـ يقف ثلة من الذين تعرضت مصالحهم اللامشروعة للخطر بوجه رجال الحق دائماً وعلى طول التاريخ ، ليوجهوا إليهم التهم والافتراءات ، وبالرغم من كونها كاذبة إلّاأنّها تحكي عن بعض الحقائق الموجودة في تلك البيئة.
فعلى سبيل المثال ، من ضمن الافتراءات والتهم التي وجهت إلى نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله هي مسألة السحر والساحرية ، التي كانت تستخدم ضمن نطاق واسع.
ويقول القرآن في الآيات (٢٤) و (٢٥) من سورة المدثر على لسان الوليد كبير المشركين : (فَقَالَ انْ هَذَا الَّا سِحْرٌ يُؤثَرُ* انْ هَذَا الَّا قَولُ البَشَرِ) (١) ، فالسبب الرئيس وراء هذه النسبة المفتعلة للنبي صلىاللهعليهوآله هو النفوذ العجيب والخارق للآيات القرآنية التي استحوذت على القلوب من خلال فصاحتها وبلاغتها العجيبة ؛ بحيث لا يمكن أن يعتبروا هذا النفوذ أمراً عادياً ولذلك لم يجدوا لفظة مناسبة ينسبونها له سوى لفظة (السحر) ، التي تعني في اللغة كل عمل خارق للعادة ومجهول المنشأ ، فأولئك وإن أرادوا بهذه النسبة أن يسدلوا الستار على هذه الحقيقة الناصعة وينكروا الاعجاز الإلهي ، إلّاأنّهم اعترفوا بحديثهم هذا
__________________
(١) ورد في تفصيل قصة الوليد بن المغيرة وحديثه بصدد جاذبية القرآن في البحوث السابقة.