بدون وعي منهم بعظمة القرآن وجاذبيته السحرية.
٣ ـ إنَّ من يتتبع آثار المؤلفين والادباء يجد أنّهم عادة ينقسمون إلى فئتين مختلفتين : فئة تعلق اهتماماً كبيراً على الجانب الفني للألفاظ ، وتجعل المعاني في بعض الأحيان ضحية للألفاظ. وبعكس ذلك فئة لا تولي اهتماماً كبيراً للألفاظ وإنّما تستخدم كامل قدرتها ونبوغها في النظر إلى عمق المعاني ولهذا السبب قسّم كتّاب تاريخنا الادبي والآثار القديمة للشعراء الكبار ، إلى اسلوبين مختلفين ، الاسلوب العراقي والاسلوب الهندي.
الشعراء الكبار الذين نظموا قصائدهم على النحو الأول ، استخدموا قابلياتهم الفنية في مجال التفنن بروعة الألفاظ وحسنها في حين أنّ اتباع النحو الثاني وجهوا اهتمامهم في الغالب إلى دقائق المعاني والملابسات المحيطة بها.
ومما لايقبل الانكار أنّ الذين أبدوا اهتمامهم بكلا الأمرين وخلفوا وراءهم آثاراً طيبة ، هم نزر يسير ، إلّاأنّ الحديث عن مدى نجاحهم في هذا المضمار حديث ذو شجون.
والدليل على هذا الكلام واضح ، لأنّ الألفاظ الجميلة العذبة لا تتحكم في واقع المعاني المطلوبة ، ولا تعكس حقائقها الدقيقة فيها ، ولهذا غالباً مايقف الشاعر والمتكلم على مفترق طريقين : جمالية اللفظ وجمالية المعنى ، ومن ثَمَّ يضطر إلى اختيار أحدهما ، ولذلك في كثير من النثر والنظم تذهب المعاني ضحية للسجع والقافية.
غير أنّ الذين اطلعوا على آداب العرب وتعرفوا على حقائق القرآن يفهمون جيداً أنّ هذا الكتاب الإلهي العظيم حافظ على الامتياز المهم وهو الاعجاز ، فألفاظه في منتهى العذوبة والحلاوة ، والجمل المحبوكة في غاية الدقة والجمال. والكلمات فيه ذات ايقاع ووزن عذب ، والمعاني قد اعطي حقها بكل خصائصها ودقتها ، وهذه هي احدى أبعاد اعجاز القرآن في الفصاحة والبلاغة.
إنّ القرآن لا يتكلف بأداء المعاني ويبين مراده بوضوح وفي الوقت نفسه يضفي على المعاني ألفاظاً عذبة وفي منتهى الجمال.
٤ ـ اشتهر الشعراء والخطباء بهذه الصفة : وهي أنّهم غالباً مايبالغون إلى حد الكذب في