الوجه أولى من قول من قال : أراد (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) يعنى الله تعالى ، فإنّ (ما) لا يعبّر به عن الله تعالى ؛ إذ هو موضوع للجنس ولم يرد به سمع يصحّ.
وقوله : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى)(١) فالفعل منسوب إلى الله تعالى. وقوله تعالى : (رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها)(٢) ، فتسويتها تتضمّن بناءها وتزيينها المذكور فى قوله تعالى : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا)(٣).
والسّوىّ يقال فيما يصان عن الإفراط والتّفريط ، من حيث العدد والكيفيّة. ورجل سوىّ : استوى أخلاقه وخليقته عن الإفراط والتفريط. وقوله : (قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ)(٤) ، قيل : يجعل كفّه كخف الجمل لا أصابع له ، وقيل : بل يجعل أصابعه كلها على قدر واحد ، حتى لا ينتفع بها ، وذلك أنّ الحكمة فى كون الأصابع متفاوتة فى القدر والهيئة ظاهرة ؛ إذ كان تعاونها على القبض أن تكون كذلك.
وقوله : (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها)(٥) أى سوّى بلادهم بالأرض ، نحو : (خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها)(٦). وقيل : سوّى بلادهم بهم ، نحو قوله : (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ)(٧) ، وذلك إشارة إلى ما قال عن الكفار : (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً)(٨).
__________________
(١) الآية ٢ سورة الأعلى
(٢) الآية ٢٨ سورة النازعات
(٣) الآية ٦ سورة الصافات
(٤) الآية ٤ سورة القيامة
(٥) الآية ١٤ سورة الشمس.
(٦) الآية ٤٢ سورة الكهف ، والآية ٤٥ سورة الحج
(٧) الآية ٤٢ سورة النساء.
(٨) الآية ٤٠ سورة النبأ