هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)؟!
ويجاب عن ذلك :
إن سميعية وبصيرية الإنسان لا تعني إحاطته بالأمور ، ومعرفته بأسرار الخلق ، ولا وقوفه على الغيوب ، ولا على واقع تأثيرات الأشياء بعضها ببعض ، ولا على المصالح والمفاسد الواقعية ..
فيحتاج إلى الهداية التشريعية الإلهية ، ليضمن عدم الوقوع في الخطأ الكبير والمهلك .. لأن غاية ما يحصل عليه الإنسان هو هداية التكوين ، والفطرة ، والعقل. وهداية التكوين محكومة بعللها وأسبابها .. وهداية الفطرة محدودة في نطاق الدعوة إلى عناوين ومبادىء ، وأهداف عامة وعالية ، تكتنفها دواع غريزية ، تحتاج إلى ما يضبط حركتها في مسارها إلى تلك الأهداف والمبادىء ، حتى لا تتجاوز الخط أو الهدف الذي حددته الفطرة لها.
وهداية العقل تبقى أيضا مفتقرة إلى توفير المخزون الذي يستطيع العقل من خلاله أن يعطي حكمه الإرشادي من خلال التصرف فيه ..
ويبقى الإنسان بعد هذا وذاك في موقع المحتاج إلى الدلالة والهداية الإلهية .. فبعث الله له الأنبياء مبشرين ومنذرين .. وعرّفوه السبيل : (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ..)
ويكون هذا المستوى من السميعية والبصيرية بمثابة التأهيل لتلقي الهداية الإلهية .. ثم التفاعل معها من موقع المختار المريد .. لا من موقع الجبر التكويني ، والتحريك القسري ، كما هو الحال بالنسبة لبعض الكائنات ، كالنباتات ، ولا من موقع التحرك التكويني ، والفطري ، والغريزي ، وحسب ، كما هو الحال بالنسبة للحيوانات ..