الكفر بصورة أوضح وأتم ، لأن وجود النعم أوجب حتمية الشاكرية .. وحتمية الشاكرية وقيمتها يجعل الكفر من أقبح الأشياء ، فإن الكفر للنعمة ، وانجرار ذلك إلى الكفر بالمنعم وصفاته ، وكل ما يصدر عنه ، يصبح جريمة كبرى .. فكيف إذا كان الإنسان كفورا ، أي شديد الكفر وكثيره؟ فإن الأمر يصير أعظم قبحا ، وأسوأ صنعا ..
وفي هذا الأسلوب من التنفير من الكفر ، والحث على الطاعة ما يغني عن أي بيان.
٢ ـ إن أرقى حالات العبادة والطاعة هي تلك التي تكون نابعة من صميم الذات الإنسانية. فالالتزام بالسبيل الواضح ، هو ما يدعو إليه الخلق الإنساني ، وتقتضيه الفطرة الصافية ، حيث لا بد أن يختار طريقة الشكر باقتضاء من داخل ذاته ، ومن دون حاجة إلى إلزام بأمر من الخارج. فإذا جاء الأمر التّكريمي من قبل الله سبحانه ، فإن اندفاعه إلى امتثاله سيكون أيضا من مقتضيات طبعه ، وخلقه الإنساني الرفيع .. لا طمعا بنوال ، ولا خوفا من عقوبة ، ولا لأجل الخروج من حالة الإحراج والإلزام حيث لا مناص.
وقد روي عن أمير المؤمنين [عليهالسلام] أنه قال : «إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار» (١).
فحالة الشاكرية حالة إرادية اختيارية ، أخلاقية ، وإنسانية. وهي تعبير
__________________
(١) راجع : نهج البلاغة ج ٣ قسم الحكم ، الحكمة رقم ٢٣٧ والبحار ج ٤١ ص ١٤ عنه وج ٧٥ ص ٦٩ عن المناقب لابن الجوزي وعن تحف العقول. وراجع ج ٦٧ ص ١٨ و ١٩٧ و ٢٥٥ وج ٨ ص ٢٠٠ عن الكافي ، وعن عقائد الصدوق وعن علل الشرائع ج ١ ص ١٢.