فكلمة كفور تشمل كفر النعمة ، وكفر المنعم ، والكفر بالنبي الذي يخبر عنه ، وبالأئمة الذين يسعون إلى إقامة دينه ، ثم الكفر بيوم الجزاء ، ليتخلص ويتملص من المسؤولية ..
فالقول بأن المقابلة بين الشاكر والكفور تجعل المعنى الأول ، وهو كفر النعمة ، أنسب بالمعنى ..
قول غير دقيق .. بل التعميم هو الأنسب ، خصوصا وأن شكر النعمة هو الآخر يستبطن الاعتراف بكل الاعتقادات الآنفة الذكر ، ومنها صفات الله تعالى ، لأن النعم تثبت تلك الصفات ، لأنها من مظاهرها وتجلياتها ، غير أن الشكر لا يتعرض لتلك النعم ، وإن كان يستلزم الاعتراف بها من قبل الشاكر ، كما أن جحود صفات الله لا يمكن أن يتحقق معه الشكر ..
وبذلك يتضح : لماذا لم يقل : مؤمنا أو كافرا ، إذ إن ذلك يوجب اختصاص الكفر بالكفر العقائدي. فهذه الآية تستبطن تحويل الشأن العقيدي إلى أمر حياتي.
فجاء بصيغة المبالغة ، لأجل بيان هذه الكثرة الحقيقية لكفره ..
ثانيا : إن كثرة صدور الطمس والإخفاء للنعم يكشف عن خلل حقيقي في أخلاقيات ذلك الشخص وفي إنسانيته ، ويدل على خبث باطنه ، وشدة طغيانه ، وحرصه على طمس نعم الله سبحانه ، والتنكر لها ، مع أن الله تعالى يقول لنبيه [صلىاللهعليهوآله] : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (١) ، لأن إظهارها يزيد في معرفة الناس بالله ، وفي توجههم إليه بحوائجهم. ولأجل ذلك قلنا : إن التعبير بالشاكر والكفور ، هو الأصح من
__________________
(١) سورة الضحى الآية ١١.