فيصير نفي إرادة الشكور من الباذلين ، أشد من نفي إرادة الشكر ، لأن النفي يكون متوجها لجميع أنواع الشكر ..
وهذا أدل على المراد ، وأوفق بالمقصود ..
وهو المناسب لمقام الامتنان عليهم من موقع الفيض والعطاء ، والربوبية لهم ، والألوهية المستغنية بذاتها وبصفاتها ..
وبذلك يعلم أنه لا مجال لتخيل : أن نفي الجمع لا يستلزم نفي الفرد ، وأن قوله : «لا نريد شكورا» .. يجامع قوله : «نريد شكرا واحدا ، أو شكرين» ..
وبتوضيح آخر نقول : إنه يمكن التعدد في أصناف الشكر كمّا وكيفا ، فهناك شكر قلبي ، وعرفان بالجميل ، وشعور بالإمتنان ، وهناك شكر لساني ، وهناك أيضا شكر عملي ..
أما الجزاء فهو نوع واحد ، يؤخذ فيه المكافأة بالمثل ، وبنفس المقدار ..
واختلاف أشكال وكيفيات المقابلة بالمثل ، إنما هو بتراض من الطرفين. أما الزائد من الجزاء ، فهو تفضل وتكرم. والناقص بخس للحق.
والجزاء تارة يلاحظ فيه الأخذ بالمقابل. ففي مثله يلاحظ مقدار ما يعطى ، ومقدار ما يؤخذ. وأخرى يلاحظ فيه الجزاء المقرر ، ففي مثله قد يقرر جاعل الجزاء أن يكون الجزاء أكثر من المماثل والمساوي ، فيجعل الحسنة بعشرة ، أو بسبع مئة ، بل يضاعف ذلك لمن يشاء ..
ففي مثل هذا المورد ، يكون التفضل في أصل الجعل ، وبعد الجعل يصبح حقا وجزاء لمن جعل له ، يطالب به ، ويسأل ويسأل عنه. قال تعالى : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).