ويمكن أن يجاب : بأن الحين هو الآن والجزء الزمني الصغير ، والدهر هو مجموع تلك الأجزاء واللحظات الزمنية الممتدة والمستمرة في التعاقب والتكثّر والامتداد. فكلمة الدهر تشمل أجزاء وآنات الزمان السابق والحاضر ، واللاحق. وقد أريد في الآية الاستفهام عن كل الآنات التي كان للإنسان ـ بما هو إنسان ـ حضور فيها ، ويلاحظها المجيب في إجابته جزءا بعد جزء ، وآنا بعد آن.
وما ذلك إلا لأن الإنسان إنما يبدأ بالشعور والإدراك الفعلي منذ ولادته ، وربما قبل ذلك ، حيث يطوي مراحل استعداده لهذه الولادة ويستمر هذا الشعور إلى حين موته .. حيث تبدأ حياته البرزخية .. غاية الأمر : أن شعوره ـ بعد اكتمال وتبلور خصائصه ـ بما هو خارج دائرة ما بين الولادة والوفاة يبقى غير واضح المعالم له ، بل هو أقرب إلى التخيل والافتراض منه إلى الإحساس الحقيقي ، والرؤية الواضحة .. مع أن مراتب وجوده ومراحله قد تكون أبعد من ذلك بكثير ..
مع استثناء أولئك الصفوة الذين كان ابتداء خلق أرواحهم وحلولها في الأشباح قبل خلق الخلق ، بدهور ، وهم أهل البيت [عليهمالسلام] .. وقد كانوا مورد العناية الإلهية في كل تلك الدهور.
فالتصريح في الآية المباركة بكلمة (مِنَ الدَّهْرِ) يراد به التأكيد على رؤية حركة الإنسان في عامود الزمان المستمر في الامتداد والجريان ، لاستغراق آناته كلها .. لكي لا يخيل للإنسان : اقتصار الرعاية الإلهية على فترة نشأته المادية الفعلية ، بل هي رعاية شاملة لكل عوالمه التي مرّ فيها ، ولجميع منازله ، ومراتبه الوجودية ، حتى حينما كان لا يزال في علم الله ، ثم ما تلى ذلك من انتقاله من عالم إلى عالم ، ومن منزلة إلى أخرى ، وسيستمر ذلك إلى أن يستقر في الدار الآخرة ..