رفع الحاجة وسد الخلل بها ، من مصدر التفضّل والعطاء. فهو جار في سياق تعريف الإنسان بنفسه ، وبخالقه ، بهدف سوقه نحو الكمال.
فالامتنان إنما هو بداعي اللطف به ، ومن منطلق الحب ، والرعاية والهداية ، والتربية له ، والإحسان إليه ، فهو نعمة أخرى له عليه ، لا بدّ للإنسان من شكره عليها.
إنه بهذا الامتنان يذكره بعجزه ، ونقيصته ، وحاجته .. ليضعه على الطريق الصحيح ، حيث يشعر بعجزه أمام قدرته تعالى وبضعفه أمام قوته تعالى ، وبفقره أمام غناه ، وبجهله أمام علمه ، وبنقصه أمام كماله.
فيبعده بذلك عن حالة العجب ، والرياء والغرور ، ليكون بذلك أبعد عن الشرك ، الذي هو أخفى فيه من دبيب النمل ، كما جاء في الروايات الشريفة .. لأنّ هذه العاهات : العجب والرياء والغرور ، تجعله يشعر باستغنائه عن الله تعالى ، وتدفع به إلى الاعتقاد بأن ما لديه من خصائص ومزايا وكمالات ، إنما هو من الأمور الذاتية له ، تماما كما قال قارون : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) (١). فهو يشعر أنه ليس بحاجة إلى الله سبحانه ، لأن لديه القدرات التي تمكّنه من التأثير في الأشياء. فلماذا يخضع لله ، ويجهد نفسه في عبادته ، ويآخذ نفسه بتنفيذ أوامره ونواهيه؟!
ولا شك في أن هذه حالة من الشرك الكامن في عمق ذاته ، وهي من أهم أسباب رده إلى أسفل سافلين ، وأن يكون في خسر مستمر ..
فالامتنان من الله هداية وتفضّل يعيد الإنسان إلى الارتباط بمصدر الفيض الحقيقي .. فيصحو بعد غفلة ، ويعلمه بضعفه بعد جهل ، ويوحّد
__________________
(١) سورة القصص الآية ٧٨.