فالأمشاجية في الإنسان أكمل منها في الحيوان ، من حيث إن فوق الصفات التي يشترك فيها الإنسان والحيوان ، صفات أخرى تختص بالإنسان ، هي التي أهّلته للابتلاء ، وهي التي تنشأ عنها السميعية والبصيرية ، والإرادة ، والاختيار ، ولأجلها ظهرت حاجته إلى الهدايات على أنواعها ، مما يعني أنها أمشاجية لمزايا إنسانية ، وحيوانية ترتقي إلى مستوى التأثير في إنسانيته إلى حد إبطالها ، أو حفظها وتكاملها. فبعد خلق الإنسان من النطفة الأمشاج الجامعة لتلك المزايا ويصير أمامنا إنسان ماثل للعيان ، تبدأ عملية الابتلاء له ..
ولعل عملية الابتلاء تبدأ حين يبدأ الإنسان بالسعي لاستجماع خصائصه ومزاياه الإنسانية ، والحصول على كمالاته بإرادته ، واختياره ، بما له من فطرة هادية ، وعقل راشد ومرشد ، فيواجه في داخله غرائزه ، ومنها حب المال ، والجنس ، والأنا ، ونحوها من النوازع التي تدعوه إلى الإغراق والإفراط إلى حد السير في غير ذلك الاتجاه.
ولحالات الجسد تأثيرها على حالات الروح والنفس ، فيكون الاحتكاك والصراع فيما بين هذين .. ويكون للعقل وللفطرة دور الهادي والمرشد ..
وينشأ عن ذلك التصدي تمييز بين الأمور ، وإدراك لدقائق القضايا ، وحصول على معارف وخبرات جديدة ..
ويصبح الإنسان بعد أن تبلورت في شخصيته مزاياها بأبه وأجلى مظاهرها ، وبعد أن صفت وزكت ، وطهرت ، سميعا بصيرا ، ثاقب النظر ، عميق الفكر ، عارفا بالحسن والقبيح ، مميزا للخطأ من الصحيح .. واقفا على مواضع الخلل والنقص ، والحاجة والعجز في داخل ذاته ، وفي قدراته ..