الناس ، وذلك بسبب تدني مستوى الوعي والمعرفة من جهة ، ولأن كثيرا من الحقائق قد طمست ، أو أثيرت حولها الشبهات من قبل الطغاة ، والظالمين ، وأهل الأهواء ، من جهة أخرى ..
وإذا كانت المعرفة متمازجة مع فطرة الإنسان ، ومتجذرة في عمق ضميره ووجدانه ، وليست مجرد معادلة عقلية ، أو تصورات ذهنية ، فسيكون لها التأثير العميق في كيان الإنسان ، تماما كتلك المعرفة بالله ، التي تشعر بها الأم بعد استجابة دعائها بشفاء ولدها ، ونجاته من موت محتم ، فإن هذه المعرفة تغنيها عن كل دليل فلسفي أو غيره ، بل إن الفيلسوف قد لا يشعر بعظمة الله مثلما تشعر بها تلك المرأة ، وإنما يكون إيمان الفيلسوف مجرد استسلام للدليل القاهر لعقله ، من دون أن يكون أي تفاعل مع وجدانه وفطرته.
فدليله بمثابة الآيات المعجزة التي تقهر العقل ، أما انسجامه مع الله وفناؤه فيه ، فله سبل ووسائل أخرى.
٢ ـ لعل من أسباب اختيار صيغة المبالغة ، وهي سميع وبصير أيضا ، أن البصر إنما يوصل إلى الإنسان الأشكال والألوان والأحجام ؛ ويمكّنه أيضا من إدراك جزئي لبعض المسافات .. ولكنه يحتاج لكي يكون بصيرا إلى قوة وحدّة في البصر ، تمكنه من إدراك دقائق وخفايا قد يعجز عنها البصر العادي. فما يدركه من خلال حدّة البصر ، هو أمور أخرى تضاف إلى ما كان قد أدركه أولا ..
أما السمع .. فإن أصل حصول السمع يحتاج إلى حاسة السمع ، ثم ينعدم المسموع بمجرد حصوله .. ثم ينتقل منه إلى حصة وجودية أخرى ، فيدركها السمع أيضا ، ثم تتلاشى لتأتي حصة أخرى بعدها ، وهكذا ..