من التزاحم ، هو فيما إذا وقع التزاحم بين الواجب والمحرم ، كما لو توقف الواجب على اجتياز الأرض المغصوبة ، وكان الواجب هو الأهم ملاكا ، فإنه في مثل ذلك لا يعقل جعل الحرمة على المقدمة المحرمة ـ اجتياز الأرض المغصوبة ـ ولو بنحو الترتب.
وتوضيحه هو : إنّه تارة نبني على عدم وجوب مقدمة الواجب ، وأخرى نبني على وجوب الحصة الموصلة من مقدمة الواجب ، أو اختصاص الوجوب بها ، وثالثة ، نبني على وجوب مطلق المقدمة (١) وعدم إمكان اختصاص الوجوب بالموصلة ، وحينئذ ، فإنّه بناء على الأول والثاني يمكن تصور إمكان حرمة المقدمة بنحو الترتّب ، وذلك ، بأن تكون المقدمة محرمة على تقدير عدم الإتيان بالواجب الأهم ، ولكن الصحيح هو حرمة الحصة غير الموصلة من المقدمة مطلقا ، حيث أنّه لا مانع من حرمتها كذلك ، ولا تزاحم بينها وبين فعل الواجب ، بل يمكن امتثالهما معا. ومعه يبقى إطلاق الهيئة في خطاب «لا تغصب» على حاله.
نعم لا يعقل حرمة المقدمة الموصلة ، لأنّ ذلك يستلزم التكليف بغير المقدور بعد فرض إيجاب ذيها ، بل يستلزم محذور اجتماع الحرمة والوجوب في واحد مع كون العنوان واحدا.
هذا لو قيل بوجوبها ، لأنّ الواجب هو واقع المقدمة لا عنوانها.
فلو قيل : بأنّ الأمر دائر بين تقييد مدلول هيئة النهي عن المقدمة بما إذا لم يأت بذي المقدمة الأهم ، أو تقييد المادة بالحصة غير الموصلة منها ، ولا تعيّن لأحدهما أو ترجيحه على الآخر.
فإنه يقال : إنّ إطلاق المادة ساقط على كل حال ، كما عرفت في محله ، من رجوع شرائط الهيئة إليها في مثل المقام ، إذ لا يعقل إطلاق المادة وصدقها في مورد لا يثبت فيه مفاد الهيئة ، فتقيّدها بالحصة غير
__________________
(١) كفاية الأصول ـ المشكيني ج ١ ص ١٤٨.