«زيد وعمرو» ، إذ إنّ «زيدا» المتّصف بأنه «أحدهما» لم يضف إليه شيء زائد على نفسه ، حتى في عالم الذهن والاعتبار ، فضلا عن الخارج ، وإنّما عنوان أحدهما ، تعبير عن كيفية لحاظ الذهن وتصوّره للموضوع ، وإنّه ملحوظ بشكل مجمل ، وغامض ، وغيره.
إذن فهذه العناوين هي عبارة عن حدود للحاظ العقل وتصوره ، كي يتمكن من التعبير عن الخارج والإشارة إليه.
إذا عرفت ذلك ، ندخل فيما هو المقصود من تعلق الأوامر بالطبائع ، أو بالأفراد ، بعد أن أشكل الأمر على متأخري الأصوليين في مقصود المتقدمين من هذا العنوان ، فذهبوا فيه مذاهب شتى ، وقرّبوه بتقريبات مختلفة نستعرضها تباعا :
التقريب الأول : هو إنّ النزاع في تعلق الأوامر بالطبائع ، أو بالأفراد ، على سبيل التخيير ، هو في كون هذا التخيير عقليا ، أو شرعيا؟.
فمن يرى أنّ الأوامر تتعلق بالطبائع ، يرى أنّ التخيير فيها يكون عقليا ، لأنّه يرى أنّ الأمر متعلّق بالجامع ، ويكون تطبيق هذا الجامع على كل فرد من أفراده ، جائز بحكم العقل من دون أن يكون للمولى نظر إلى هذا التطبيق ، حيث لا يكون كل فرد من أفراد الجامع مأمورا به بعنوانه ، بل يوجد حكم واحد متعلّق بالجامع ، ونسبته إلى أفراده على حد سواء ، فالترديد فيما بينها عقلي وهذا هو مرادهم من التخيير العقلي.
ومن يرى أنّ الأوامر تتعلق بالأفراد يرى أنّ المقصود من التخيير هو التخيير الشرعي ، لأنّه يرى أنّ هناك أحكاما عديدة بعدد أفراد الجامع ، لكن على سبيل البدل ، حيث يكون للمولى حينئذ نظر إلى تطبيق هذا الجامع على أفراده ، فيطلب هذا الفرد ، أو ذاك الفرد.
فيكون مرجعه إلى أمرين مشروطين ، فيأمر بكل عدل على تقدير ترك الآخر.