وإن شئت قلت : بأنّه يمكن دفع الاعتراض الثالث ، بأن يقال : بأنّ متعلق الوجوب هو ليس ما يختاره المكلّف بالفعل ، وإنما متعلق الوجوب هو ما يؤثره ويفضّله المكلّف من البدائل ، إذا شاء أن يختار أحدها في حالة لا بدّ له فيها من الاختيار ، وحينئذ يكون وجوب ما آثره المكلّف وفضّله منوطا بتفضيل ما فضّله على بديله ، وليس منوطا باختياره فعلا ، وحينئذ يكون من يرجح المفضّل على بديله ، ملزما بهذا البديل المفضّل ، وهذا محفوظ حتى في فرض العصيان كما عرفت ، وحينئذ لا يلزم من هذا تحصيل الحاصل.
نعم لو فرضنا حالة ، فقد فيها المكلّف كل ترجيح لأحد البدائل على الآخر ، بل لو فرضنا وقوع هكذا حالة خارجا ، كطريقي الهارب ، ورغيفيّ الجائع ، فإنّه حينئذ ـ حتى لو بنينا على إمكان الترجيح بلا مرجح في الأفعال الاختياريّة ، ـ فإنّه لا يوجد أيّ تعيّن أو تقرّر لمتعلق الوجوب.
وهذا رغم كونه معقول ثبوتا ، وإن لم يقع إثباتا ، إلّا أنّه لا يمنع عن كونه تكليفا عقلائيا.
وقد عرفت بأنّ هذا الجواب ، هو أيضا جواب على الاعتراض الثاني ، كما مرّ.
الاعتراض الرابع ، هو : إنّ محاولة تفسير الوجوب التخييريّ كما عرضت ، خلاف ظاهر دليل الواجب التخييريّ ، إذ ظاهر دليله إثباتا ، إنّ التكليف واقف بين البدائل كلها على مسافة واحدة ، وليس الوجوب هو خصوص ما يختاره المكلف فقط.
وهذا الاعتراض منهجيّته غير صحيحة ، لأنّ صاحب محاولة تفسير الوجوب التخييريّ ، إنّما يفسره بهذه الصورة على أساس أنّه من الحقائق التشريعيّة المعروفة في المجتمعات العقلائيّة ، والمركوزة في أذهان العقلاء ووجداناتهم.