نواهي الناس عن مفاسد انحلاليّة ، وهذه الغلبة في نشوء مفاسد نواهي الناس ، تكون قرينة تستوجب ظهور الكلام في الانحلالية ، فيكون حجة ، وحينئذ فإذا صدر مثل هذا الكلام ، وهو النّهي من الشارع ، نحكم بانحلاليته ، لأنّ المولى لم يخترع لنفسه طريقة غير هذه الطريقة التي سار عليها عرف الناس ، بل أمرهم على مثل ذلك.
وبذلك تثبت انحلالية النّهي إذا صدر من المولى ، وذلك بواسطة القرينة المذكورة ، فيكون مفاد النّهي هو الانحلاليّة والشموليّة ، بينما يبقى مفاد الأمر على الأصل ، وهو عدم الانحلاليّة في متعلقه ، لعدم وجود مثل هذه القرينة فيه. وبذلك يندفع السؤال المتقدم.
والخلاصة ، هي : إنّنا نعرف ممّا تقدّم ، لما ذا يبقى النهي بعد العصيان ، ولا يبقى الأمر بعد العصيان أو الامتثال بل يسقط ، وهذا بخلاف النهي ، فإنّه حتى بعد صدور امتثاله ، يبقى مفعول خطابه ، فإنه إذا عصى وشرب الخمر في المرة الأولى ، لا تسقط حرمة شرب الخمر في الساعة الثانية ، بل يبقى خطاب ، «لا تشرب الخمر» ساريا ، وكذلك من امتثل ، ولم يشرب الخمر مرة واحدة ، فإنّه لا تسقط حرمة شرب الخمر بعدها ، بل يبقى خطاب «لا تشرب الخمر» مستمرا.
ومعنى هذا : إنّه يوجد خطابات متعددة بلا تشرب الخمر ، وأحكام متعددة تنتظر امتثالها وعصيانها ، بخلاف الأوامر ، فأنّه حيث لا يوجد إلّا أمر واحد وتكليف واحد ، لا يبقى عصيان بعد العصيان الأول للأمر ، ولا امتثال بعد الامتثال الأول له.
فعدم التكليف وبقاؤه من حيث انحلاليّة الحكم في جانب النواهي ، وعدمه في جانب الأوامر ، هو لما عرفت.
وبذلك ظهر أن ما ذكره المحقق الخراساني «قده» (١) في «الكفاية» ،
__________________
(١) كفاية الأصول : المشكيني ـ ج ١ ص ٢٣٣.