عن مقتضى هذه القاعدة العقلية ، وذلك لأنه إذا قال المولى : «ائت بأحد الفردين» ، وأتى المكلّف بفرد واحد ، فهذا يكون على مقتضى القاعدة ، حيث يكتفى بالإتيان بفرد واحد.
ولكن لو قال المولى : «لا تأت بأحدهما» ، فمقتضى القاعدة هو وجوب الاجتناب عن كلا الفردين لأنّ النّهي تعلّق بعنوان أحدهما ، فلا بدّ من ترك كلا الفردين كي يتحقق إعدام العنوان كما هو مقتضى القاعدة ، مع أنّنا نرى أنّ الاجتناب عن عنوان أحدهما يكفي فيه ترك أحد الفردين فقط وحينئذ يقال : كيف خرج هذا النحو عن مقتضى القاعدة ، مع أنّ القاعدة قد حكم بها العقل ، وحكمه غير قابل للتخصيص؟.
وإن شئت قلت : إنّ حكم العقل ، بأنّ الطبيعة توجد بانوجاد فرد واحد ، ولا تنعدم إلّا بانعدام جميع أفرادها ، هذا الحكم العقلي ينطبق على كل كلي عقلي وطبيعة ما عدا الجامع الانتزاعي مثل «أحدهما» ، فإنّ المولى لو طلب إيجاد أحدهما ، اكتفي بإيجاد واحد من أفراد الطبيعة.
بينما إذا طلب المولى إعدام أحدهما ، أو ترك أحدهما ، فإنّه لا يفهم من خطابه تركهما وإعدامهما معا ، مع أنّه من الواضح ، أنّ الحكم العقلي ، أو القاعدة العقلية لا تقبل التخصيص.
وفي مقام الجواب عن ذلك نقول : إنّ الصحيح هو أنّ عنوان «أحدهما» وما شابهه ، ليس من الجوامع الحقيقية من قبيل الإنسان لأفراده ، بل عنوان أحدهما هو مجرّد أمر ذهني يشار به إلى فرد بعينه في الخارج ، أو إلى أحد فردين لا بعينه في الخارج.
وحينئذ لا يكون هذا جامعا ينطبق على كلا الفردين ، المشار إليه وغيره كما في بقية الجوامع ، وإنما هو كما في الواجب التعييني والتخييري ، فيكون عنوان أحدهما من قبيل الدالة الجبريّة والرياضيّة التي يعبّر بها عن الأعداد.