وقد أشكل على مدخليّة العرف في ذلك حيث قيل : بأنّ مدخليّة العرف في بحث الإمكان والامتناع ، مرجعه إلى تشخيص العرف للمصداق. وحكمه في تشخيص المصداق ليس حجة ، وإنما هو حجة في تشخيص مفهوم اللفظ. فمثلا ـ بعد أن يحكم العرف في معنى (الصعيد) ، ونعلم أنّه خصوص التراب ـ لا يرجع إلى العرف ليشخص ويحكم على مشكوك الترابيّة بأنّه تراب ، بل يرجع في ذلك إلى العقل المبني على الدقة والتحليل. وهذا الكلام وإن كان صحيحا في نفسه ، إلّا أنّه مع ذلك يمكن القول بأنّ الكلام في الإمكان والامتناع يشمل ما كان بحكم العرف إمكانا وامتناعا.
وتوضيح ذلك ، هو : إنّ العرف قد يدرك تلازمات قد لا يدركها العقل ، باعتبار كون حكم العرف مبنيا على النظر المسامحي الذّوقي ، بينما حكم العقل مبني على الدقة والتحليل. فمثلا : العرف يدرك التلازم بين مطهّرية الماء وطهارته ، فإذا علم بمطهريّة ماء من دليله ، تراه يحكم بطهارة هذا الماء بسبب هذا التلازم العرفي ، لأنه لا يعقل كون المطهر غير طاهر ، وهذا التلازم هو دلالة التزامية ، وهي حجة كسائر الدلالات ، بينما قد لا يحكم العقل بهذا التلازم ، حيث أنّ التفكيك بين مطهريّة الماء وطهارته ليس مستحيلا بنظره.
والحاصل هو : إنّ العرف المبني على النظر المسامحي بحسب مرتكزاته ، قد يدرك تلازما بين شيئين لا يدركه العقل ، كما لو ادّعى الحكم بالإمكان أو الامتناع ، باعتبار إدراكه تلازما يكون مقتضاه الحكم بالامتناع ، فمثل هذا الإدراك للتلازم حجة لأنّه دلالة التزامية ، وهي حجة كما عرفت. ونفس الشيء يقال في المقام ، فمثلا : دليل «صلّ» : يدل بالمطابقة على وجوب الصلاة ، وبالالتزام بنظر العرف على أنّ الصلاة لا تقع في مورد «ما» مصداقا للغصب ، باعتبار أنّه يرى التمانع بينهما ولو كانا ذا عنوانين ، وكذا دليل «لا تغصب» فإنّه يدل بالمطابقة على حرمة الغصب ، وبالالتزام ـ بنظر