يشرّع هذا الفعل ، وعليه ، فهو يعلم بأنّ الأمر بهذا الفعل ، وعدم الأمر به ، ليس إلّا من جهة عدم وفائه بالمصلحة ، فيكون هذا الفعل قاصرا ذاتا عن الوفاء بالمصلحة ، وحينئذ ، فإذا أتى المكلف به ، يكون باطلا لهذا القصور ، مع قطع النظر عن الحرمة التشريعية المترتبة على إتيانه به مسندا له إلى الله تعالى.
وأمّا بالنسبة للتشريع بالنحو الثاني ، وهو أن يأتي المكلف بالفعل ، ويسنده إلى الله تعالى ، مع أنّه يشك في تشريع الله تعالى له :
فإنّه من المعلوم ، أنّ هذا النحو لا يستبطن البطلان بملاك القصور الذاتي ، وذلك لاحتمال كون هذا الفعل ذا مصلحة في الواقع ، لأنّ المفروض أنّه يشك في تشريعه ، لا أنّه يجزم بعدمه ، وإنّما البطلان في هذا النحو ، إنّما هو لعجز المكلّف عن قصد القربة المعتبر في صحة العبادة ، ويقرّب ذلك بوجوه :
١ ـ الوجه الأول ، وحاصله ، هو : إنّ الإتيان بهذا الفعل محرم تشريعا ، والحرمة التشريعية ، كما تكون متعلقة بالفعل القلبي الذي هو عبارة عن إسناد الفعل للمولى ، كذلك تكون متعلقة بالفعل الخارجي المأتي به ، لأنّ التشريع يكون وجها من وجوه الفعل ، وعنوانا من عناوينه ، وحينئذ ، فيحرم الفعل بهذا العنوان ، ويصير حال هذا الفعل حال العبادة المحرمة حرمة ذاتية ، كالصلاة في الأرض المغصوبة ، بناء على امتناع اجتماع الأمر والنّهي ، وحينئذ ، فيثبت البطلان هنا بالملاك الذي أثبت به البطلان هناك.
٢ ـ الوجه الثاني ، هو : إنّه لو تنزّلنا ، وقلنا : بأنّ الحرمة التشريعية تكون متعلقة بالإسناد القلبي فقط ، ولا تسري إلى الفعل الخارجي ، فمع هذا يثبت البطلان ، لأنّ هذه الحرمة تثبت إنّ القصد المحرك نحو العمل قصد غير إلهي لأنّه محرم ، وإذا لم يكن القصد إلهيا ، فتبطل العبادة المأتي بها لفقدان قصد القربة.
٣ ـ الوجه الثالث : هو : إنّنا لو تنزلنا وقلنا : إنّ التشريع غير محرم