٢ ـ الأمر الثاني : وقد ادّعي فيه استفادة عليّة الشرط للجزاء بمقتضى إطلاق اللفظ الراجع إلى «فاء» التفريع الموجودة واقعا أو كيانا في الجملة الشرطية فيقال : كما انّ الجزاء متفرّع على الشرط إثباتا ، كذلك هو متفرّع عليه ثبوتا ، وذلك ، بمقتضى أصالة التطابق بين مقام الإثبات ومقام الثبوت ، فيثبت بذلك ، انّ الشرط علة للجزاء بواسطة الإطلاق ، لا بواسطة كون العليّة مأخوذة في المدلول الوضعي للجملة الشرطيّة.
وقد اعترضنا على ذلك فيما سبق ، وكل ذلك عرفت تفصيله.
ونريد الآن أن نوجّه اعتراضا أساسيا على هذا الكلام ، وحاصله : انّ لمقام الإثبات معنيين.
١ ـ المعنى الأول : هو ان يراد به مرحلة المدلول التصوري ، أي مرحلة المراد الاستعمالي للكلام ، وحينئذ ، فيكون المراد بمرحلة الثبوت ، مرحلة المدلول التصديقي ، أي مرحلة المراد الجدّي للكلام ، وهذا المعنى صحيح كبرويا ، فيقال ، الأصل التطابق بين هاتين المرحلتين ، فلو قال : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) حينئذ يقال : إنّ المراد الاستعمالي ، هو ذات البيع بلا ضم قيد ، وبمقتضى أصالة التطابق المذكور ، نثبت انّ موضوع الإرادة الجديّة هو ذات البيع بلا قيد زائد ، فهذا معنى صحيح لأصالة التطابق.
إلّا انّ مقامنا ليس من صغرياتها ، لأنّ تطبيقها على محل الكلام ، يستدعي أن نقول : انّ المتكلم في مقام الاستعمال قصد بيان ترتب الجزاء على الشرط ، وحينئذ ، فبمقتضى أصالة التطابق ، نثبت انّه قصد ذلك في مرحلة المدلول الجدي للكلام ، فيثبت بذلك ، انّ الجزاء معلول للشرط.
إلّا انّ هذا ، يستدعي أن يكون ترتب الجزاء على الشرط وعليّة الشرط له مأخوذة في المدلول الوضعي التصوري للكلام ، وهذا خلاف فرض الكلام ، حيث انّهم في مقام إثبات العليّة ، بواسطة الإطلاق ، لا بواسطة كون العليّة مأخوذة في المدلول الوضعي للجملة الشرطيّة كما عرفت.